الاستنساخ والتعديل الجيني بين التقدم والتهديد
2025-04-13

ترجمة

 

في سباق العلم الذي لا يعرف التوقّف، تبرز تقنيات الاستنساخ والتعديل الجيني بوصفها قفزات هائلة في فهمنا لطبيعة الحياة. لم يعد الأمر مقتصراً على الأبحاث المجهرية، بل وصلنا إلى عتبةٍ يمكن فيها أخذ خلية واحدة من جسم الإنسان، دون علمه، واستخدامها لاستنساخه، بل وتغيير جيناته قبل بدء الحياة الجديدة.

 

ما هي هذه التقنية؟
الاستنساخ البشري هو عملية يتم فيها أخذ نواة خلية بشرية تحتوي على المادة الوراثية الكاملة للفرد وليس من الشرط ان تكون حيوان منوي، وزرعها داخل بويضة مفرغة من نواتها. ثم يتم تحفيز هذه البويضة كهربائياً لتبدأ بالانقسام كما لو كانت بويضة مخصّبة طبيعياً. إن وُضِع هذا الجنين في رحم، فيمكن أن يتطور إلى نسخة شبه مطابقة من الشخص الذي أُخذت منه الخلية.

أما التعديل الجيني، فيعتمد على أدوات مثل تقنية CRISPR-Cas9، وهي كأداة "قص ولصق" على المستوى الجزيئي، تُستخدم لتعديل أو حذف أو إضافة جينات معينة داخل الحمض النووي (DNA)، إما لعلاج مرض وراثي، أو لتحسين صفات معينة قبل الولادة.

ورغم ما تتيحه هذه التقنيات من آمالٍ عظيمة، كعلاج الأمراض الوراثية، وزيادة الإنتاج الغذائي، بل وربما إطالة العمر؛ إلا أنها تفتح أبواباً لمخاطر لم نعد نراها ضرباً من الخيال، بل احتمالات تقترب شيئاً فشيئاً من الواقع.

 

استنساخ بلا تدخل ذكري

يمكن في هذا السياق أخذ خلية جسدية من أنثى وزُرع نواتها داخل بويضة أنثى أخرى أُفرِغت من نواتها (وكلاهما من إناث)، وستكون النتيجة جنيناً يحمل تركيبة أنثوية من الكروموسومات (XX)، أي سيكون أنثى مستنسخة.

كما يمكن زرع نواة الخلية الجسدية في بويضة نفس الأنثى، ويُعد هذا استنساخ ذاتي (autologous cloning)، وستكون النتيجة جنين يحمل المادة الوراثية الكاملة للأنثى نفسها.

لماذا الجنين سيكون أنثى حتماً عند الزراعة بين أنثيين؟

  • الخلايا الجسدية للإناث تحتوي على كروموسومات جنسية XX.

  • عند استخدام نواة من خلية أنثوية، فإن المادة الوراثية تكون أنثوية بالكامل.

  • لا وجود لكروموسوم Y (الذي يحدد الذكورة)، لأنه لا يوجد طرف ذكري.

ملاحظات مهمة:

  • الجنين الناتج سيكون نسخة جينية شبه مطابقة للأنثى التي أُخذت منها الخلية (مع احتمالات طفيفة لاختلافات جينية نادرة أو تأثيرات بيئية).

  • لا حاجة لخلايا ذكرية، لأن العملية لا تتطلب تلقيحاً بل "إعادة برمجة" البويضة.

 

أبرز التهديدات المحتملة لاستخدام تقنيات الاستنساخ والتعديل الجيني دون ضوابط:

  1. ظهور أمراض جديدة: تلاعب غير دقيق بالجينات قد يُحدث طفرات خطيرة.

  2. تصميم البشر (Designer Babies): اختيار صفات مثل الذكاء أو الجمال قد يؤدي لتمييز طبقي وجيني.

  3. فقدان الهوية: فقدان الهوية الفردية، واعتبارات أخلاقية عميقة حول معنى الإنسان.

  4. الاستخدام العسكري: احتمال تطوير "جنود معدّلين وراثياً" أو أسلحة بيولوجية.

  5. سوق سوداء جينية: تهريب خلايا، واستنساخ غير قانوني لأغراض تجارية أو سياسية.

  6. خلل بيئي: تعديل جينات كائنات حية قد يؤدي إلى نتائج كارثية في السلاسل الغذائية.

  7. إضعاف القيم الإنسانية: النظر إلى البشر كـ"مشاريع تعديل وتحسين" بدل كائنات مكرّمة.

 

إن التلاعب بجينات الإنسان، أو استنساخه، يتجاوز الجانب العلمي ليطرق باب الفلسفة والأخلاق والدين. فهل يحقّ للإنسان أن "يخلق" نسخة معدّلة من إنسان آخر؟ هل يحقّ له أن يختار جينات الذكاء، الطول، الجمال، وربما الولاء؟ وماذا عن هوية المستنسَخ؟ هل سيُعامل كإنسان له كامل الحقوق، أم ككائن مصنّع؟

الأخطر من ذلك، أن التقنيات نفسها التي قد تُستخدم لعلاج المرضى، قد تُستغلّ في أيدي جهات غير مسؤولة، سواءً لأغراض عسكرية، أو تجارية، أو سياسية. وهناك مؤشرات حقيقية على وجود مختبرات سرية تسعى لتحقيق "تفوق جيني"، أو إنتاج أفراد معدّلين جينياً بغرض معين. وهنا تصبح المسألة أقرب إلى "لعب دور الإله"، وهو ما يثير رفضاً واسعاً من قبل فلاسفة وأديان ومفكرين حول العالم.

 

لسنا هنا لرفض العلم، بل لنؤكد أن أي تقدم علمي غير محكوم بضوابط أخلاقية وتشريعية، قد يتحول من أمل إلى تهديد. إن حماية كرامة الإنسان، وهويته، وخصوصيته الجينية، يجب أن تسبق أي تطبيق لتقنيات قد تغيّر شكل البشرية كما نعرفها.

إنها مسؤوليتنا جميعاً: علماء، ومشرّعين، ومفكرين، بل ومواطنين عاديين، أن نسأل قبل أن نُقدِم: إلى أين نحن ذاهبون؟ وهل الطريق الذي نرسمه لأجيال المستقبل، سيكون نوراً... أم ظلاماً بثوب العلم؟

 

 

   
   
2025-04-13  
الوسوم: استنساخ - كريسبر


لا يوجد تعليقات
الاسم:
البريد الالكتروني:
التعليق:
500حرف