حدثت خلال القرون الثلاثة السابقة، 10 جائحات إنفلونزا عالمية على الأقل 3 منها في القرن الأخير وحده، بينها ما عرف باسم ’الإنفلونزا الإسبانية‘ وهي أشد فاشية مرضية حدثت في تاريخ البشرية.
قبل أكثر من قرن أودت الانفلونزا الإسبانية عام 1918 ب50 مليون شخص حول العالم . سُمي الفيروس بالأنفلونزا الإسبانية لأن الصحافة الإسبانية كانت بين أول من تحدث عن المرض في أوروبا في مايو/أيار 1918. ويبقى أصل الوباء غير معلوم رغم رصده أول مرة في الولايات المتحدة في آذار/مارس 1918.
كان المصابون بالانفلونزا يشتكون حينها من ظهور بعض الأعراض كمثل الصداع وصعوبات الجهاز التنفسي والسعال وارتفاع درجة الحرارة.
بعد بضعة أشهر انتقل المرض نحو أوروبا حيث عرفت فرنسا وبلجيكا وألمانيا أعراضا مماثلة للإصابات وفي شهر مايو من العام 1918 تسبب احتفال ديني في إسبانيا في تفشي المرض الذي وصف حينها بالغامض.
يُنظر إلى ما يسمى بالإنفلونزا الإسبانية ، باعتبارها واحدة من أكثر الأوبئة فتكا بالبشرية في التاريخ. ومن هذا المنطلق توجه المؤرخون لبحث الظاهرة المرضية عبر الزمن وآثارها وتداعياتها الاجتماعية أيضا.
بعض الأكاديميين ذهبوا إلى مقارنات في أوجه الشبه ما بين الاوبئة السابقة لاستخلاص العبر وتحديد المسارات الواجب اتباعها لمواجهة كوفيد-19.
تقول المؤرختان الإسبانيتان لورا وماريا لارا مارتينيز في حديث لـ "يورونيوز": " كل ما تم توقع حدوثه من قبل المحققين و الدارسين تحول إلى حقيقة عبر الزمن".
ركزت بحوث لورا وماريا لارا مارتينيز على آثار إنفلونزا عام 1918 على مدى العامين الماضيين، وكانت أوجه التشابه بين تفشي الفيروس التاجي الحالي وأنفلونزا عام 1918 واضحة لهما منذ البداية.
في عام 1918، استقبل الناس الأنفلونزا الإسبانية بشيء من التهاون واعتبرت لدى العامة "نزلة برد" ليس إلا. ولكن السلطات عمدت حينها إلى إغلاق المسارح والمدارس والحدود.
تعتبر المؤرختان أن السلطات الرسمية في الولايات المتحدة واجهت الإنفلونزا الإسبانية حينها بفرض بعض الإجراءات منها تم تطهير الأماكن العامة، بما في ذلك الهواتف المثبتة في الأماكن العامة كما فرضت غرامات على المخالفين قدرت بما يصل إلى 100 دولار لعدم التزام الأفراد بارتداء كمامات الوجه.
كما ساعد اعتقاد في 1918 أن العدوى تنتشر كالنار في الهشيم إذا لم تحترم قواعد التباعد الجسدي.
وقال المؤرخ خوميه كلاريت ميراندا ليورونيوز "تم تطبيق عمليات الإغلاق وتم إحراز تقدم في تطبيق الإجراءات الوقائية التي أثبتت فعاليتها تاريخيا".
وشمل ذلك تدابير النظافة والحجر الصحي لمن يشتبه في أنهم مصابون بالعدوى.
في الواقع ، حدثت الموجة الأولى من تفشي المرض في إسبانيا بعد احتفالات دينية بمدريد وبعد مرور أسبوع من الاحتفالات أي في 22 مايو اوردت الصحف الإسبانية ان جميع من حضروا أصيبوا بالعدوى .
وأثار الحادث تسمية الانفلونزا الجديدة بأنها "اسبانية" على الرغم من أن أول يعتقد أنه كان في مركز تدريب عسكري أمريكي في كانساس. تقول المؤرخان لورا وماريا لارا مارتينيز إن إنفلونزا عام 1918 يمكن أن تكون قد نشأت في وقت سابق في الصين أو في فرنسا في عام 1917.
وبعد الفشل في اكتشاف لقاح واجه أولئك الذين يحاربون وباء عام 1918 تحديات مختلفة وكانوا يعولون على ما تداولته بعض الأوساط الطبية من ان حرارة الجو يمكنها إبطاء انتقال الفيروس.
لكن الموجة الثانية من الوباء كانت أكثر فتكا من الموجة الأولى. وقالت المؤرختان"إن الموجة الثانية تزامنت في إسبانيا مع موسم الحصاد والاحتفالات في سبتمبر بالإضافة إلى تخفيف إجراءات الإغلاق في البلاد". قالت جاوم كلاريت ميراندا " إن الجائحة حدثت في فصل الشتاء التالي" وأضافت أن "موجة ثالثة اجتاحت بعض المناطق في أوائل العشرينيات".
تقول كلاريت: "إن نهاية الوباء تعتمد على إجراءات كل بلد، ونظرا لجهود تدريب الخبراء والمختصين فضلا عن رؤية الطبقة السياسية".
كما أضافت أن "معرفة المؤرخين محدودة للغاية حيث لا يملك الخبراء معلومات دقيقة عن كيفية انتشار الوباء عبر مناطق أخرى كثيرة في العالم
اتفق الأكاديميون على أن نهاية الوباء حدثت في عام 1920 ، عندما نجح المجتمع في تطوير مناعة جماعية ضد الإنفلونزا الإسبانية على الرغم من أن الفيروس لم يختف تماماً.
وقال د. بينيتو ألميرانتي ، رئيس الأمراض المعدية في مستشفى فال ديبرون في برشلونة:
"تم العثور على آثار لنفس الفيروس ضمن فيروسات أخرى للأنفلونزا" مضيفاً "استمرت الانفلونزا الإسبانية في الظهور بعد ذلك من خلال تحويرات الفيروس وراثياً" . على سبيل المثال ، تضمنت إنفلونزا 2009 عناصر وراثية من فيروسات سابقة ، لذا كان الأفراد الأكبر سناً محميين بشكل أفضل من الشباب.
قالت لورا لارا مارتينيز إن هذا الأمر حدث أيضاً مع الإنفلونزا الإسبانية ، حيث كان أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 30 عاماً يتمتعون بتمثل للشفاء وبنسب كبيرة . من المفترض أن هذا يرجع إلى أن الجيل الأكبر سناً عاش مع ما يسمى بالإنفلونزا الروسية بين 1889 و 1890.
قال الدكتور ألميرانتي إن الجائحة تنتهي عندما تكون الحالات عند مستوى منخفض للغاية. "في أوروبا ، هذا الوضع سنعرفه مع الفيروس التاجي )كورونا( لأن الحالات يمكن التعرف عليها بسهولة ويمكن تتبعها وتعقبها"، مضيفاً "إذا استمر الوضع في الأسابيع القادمة على هذا النحو يمكن اعتبار الوباء تحت السيطرة ".
المصدر: يورو نيوز