في مقال لموقع «Gizmodo»، تحدثت الكاتبة كشمير هيل، المهتمة بالتكنولوجيا والخصوصية الإلكترونية، عن مدى تطور خاصية «People You May Know» التي يتيحها موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وخطورتها، وهي خاصية تقترح عليك قائمة من الأشخاص الذين قد تكون تعرفهم. تُعرف الخاصية بقدرتها الخارقة على التعرف على أشخاص تعرفهم في الحياة الحقيقية، الأمر الذي يبدو محيراً للكثير من الناس، وهو ما حدث مع الكاتبة بالفعل. أشارت الكاتبة إلى أن اقتراحات الأصدقاء على فيسبوك لا تقتصر فقط على زملاء الدراسة السابقين أو أشخاص عرفناهم من قبل بالفعل، لكنها سمعت العديد من القصص الغربية حول ذلك؛ فمثلاً أخبرها طبيب نفسي ذات مرة أن مرضاه كانوا يظهرون في قائمة اقتراحات الأصدقاء لبعضهم البعض، وهو ما يعتبر إفشاء لأمر يفضل الكثيرون إبقاءه سراً.
أمر مثير للقلق
تقول الكاتبة إن ما يجعل اقتراحات الأصدقاء على فيسبوك مثيرة للقلق هو امتلاك الموقع لمصادر بيانات متعددة، مثل تحديد الموقع الجغرافي ومتابعة نشاطك على التطبيقات الأخرى والتعرف على الأشخاص في الصور الفوتوجرافية، واستخدام الموقع لهذه البيانات ليوصل مستخدميه بعضهم ببعض، وذلك لجعلهم أكثر اتصالاً بالموقع. على الرغم من أننا نعلم أن فيسبوك يجمع بياناتنا، إلا أننا لا نعلم كيف يصل الموقع إلى نتائج مثل تلك التي في خاصية اقتراحات الأصدقاء، فهذه الخاصية بمثابة صندوق أسود لا نعلم ما يجري بداخله.
أرادت الكاتبة فهم ما يجري بداخل ذلك الصندوق الأسود، فقامت بحفظ قائمة الأصدقاء الذين اقترحهم فيسبوك عليها، في محاولة لإيجاد أنماط تربط تلك الاقتراحات. وجدت الكاتبة أن موقع فيسبوك يقترح حوالي 160 شخصاً في اليوم الواحد، البعض منهم يتكرر ظهوره. وعلى مدار شهور الصيف، كان إجمالي اقتراحات الأصدقاء المختلفين الذين ظهروا للكاتبة نحو 1400 شخص، منهم 200 (أي حوالي 15%) كانوا أشخاصاً تعرفهم بالفعل، بينما بدا الآخرون غرباء. اقتراح مريب من العائلة من بين الاقتراحات التي ظهرت للكاتبة، امرأة تُدعى «ريبيكا بورتر»، وهي امرأة مُسنّة تعيش في ولاية أوهايو، ولم يكن بينهما أي أصدقاء مشتركين. على الرغم من أن الكاتبة لم تكن تعرفها إلا أن اسم العائلة (بورتر) بدا مألوفاً لها، إذ إن جدّها الذي لم تلتقِ به قط كان اسمه الأخير «بورتر»، وقد تخلّى عن ابنه (والدها) عندما كان طفلاً. تبنّى رجل اسمه الأخير «هيل» والدها، ولم يكتشف والدها بشأن والده البيولوجي حتى سن البلوغ. نشأت الكاتبة في ولاية فلوريدا، بينما عاشت عائلة بورتر في أوهايو – والتي تبعد عن فلوريدا بمسافة كبيرة – وكانت الكاتبة تعلم أن أقاربها يعيشون هناك، لكنها لم تعتقد أنها قد تلتقي بهم يوماً ما. التقى والد الكاتبة بوالده وعائلته – والذين لم يستخدم أيّ منهم فيسبوك – قبل بضع سنوات في جنازة والدته. سألت الكاتبة والدها ما إذا كان يعرف ريبيكا بورتر، لكنه لم يتعرف عليها. أرسلت الكاتبة إليها رسالة عبر فيسبوك وسألتها ما إذا كانت تعرف جدّها، فأجابت بنعم. اكتشفت الكاتبة بعد ذلك أن ريبيكا بورتر هي زوجة شقيق جدّها، وقد التقت به قبل 35 عاماً في السنة التي ولدت فيها الكاتبة. تحدثت الكاتبة مع ريبيكا بورتر عبر الهاتف، وشعرت بالسعادة لأن فيسبوك قد أعطاها فرصة للتحدث إلى أحد أقاربها الذين لم تعرفهم من قبل، لكنها شعرت بالقلق الشديد في الوقت ذاته، فهي لا تفهم كيف استطاع فيسبوك القيام بذلك.
كان والد الكاتبة قد التقى بزوج ريبيكا بورتر عندما التقى بعائلته، وحصل على رقم هاتفه وبريده الإلكتروني، لكن كليهما لم يستخدما فيسبوك، وكذلك الأقارب المشتركون. هذا النوع من الاقتراحات المشكوك فيها ليس بجديد. في 2009، كان حصول المستخدمين على اقتراحات لأصدقاء جدد بشكل مريب يقودهم للشك بأن فيسبوك يستخدم بيانات اتصالهم.
من المعروف أن فيسبوك يقوم بشراء البيانات من وسطاء البيانات، وقد ذكر شخص عمل مسبقاً في فيسبوك ممن هم على دراية بكيفية عمل تلك الأداة أنه من الممكن أن تكون عملية التعرف على العلاقات العائلية قد تمت بهذا الشكل، ولكن عند سؤال متحدث باسم فيسبوك عن هذه الرواية علق قائلاً: «فيسبوك لا يستخدم بيانات يشتريها من وسطاء بيانات فيما يتعلق بجزء الأشخاص المقترحين».
في هذه الحالة، ما هي البيانات التي يمكن أن يكون فيسبوك قد استخدمها؟ تقول الكاتبة إن الشركة لن تخبرها بالتأكيد عن كيفية ظهور هذا الشخص في الاقتراحات، وأنها ستفسر ذلك بأسباب تتعلق بالخصوصية، وأن متحدثاً باسم فيسبوك قد أخبرها أنه إذا ما ساعدتها الشركة على فهم كيفية حدوث ذلك الاقتراح بإضافة زوجة شقيق جدّها، فسيطلب كل من يحصل على اقتراح غير متوقع تفسيراً للأمر أيضاً في المستقبل. لم يكن العذر كافياً بالنسبة لها، ففيسبوك دائماً ما يطلب من المستخدمين تقديم الكثير من البيانات الشخصية عنهم طوال الوقت، فلماذا يُصبح إذاً من غير المنطقي الحصول على بعض البيانات من فيسبوك الخاصة بنفس الشخص أيضاً؟ السبب الأكبر وراء حفاظ فيسبوك على سرية آلية عمل نظام تقديم الاقتراحات للمستخدم هو أن الشبكات المنافسة مثل لينكد إن وتويتر تقدم خصائص مماثلة لمستخدميها، لذا يرغب في حماية التكنولوجيا المتطورة الخاصة به، وهو ما يوفر ميزة تنافسية قوية للغاية بالنسبة لفيسبوك أمام منافسيه، وهو ما ذكره نائب مدير القسم الهندسي في فيسبوك خلال أحد المؤتمرات عام 2010.
الأمر ليس بجديد!
هذا النوع من الاقتراحات المشكوك فيها ليس بجديد. في 2009، كان حصول المستخدمين على اقتراحات لأصدقاء جدد بشكل مريب يقودهم للشك بأن فيسبوك يستخدم بيانات اتصالهم التي قاموا بإدخالها لدى التسجيل لتقديم تلك الاقتراحات، دون أن يدركوا أن فيسبوك سيسجل بيانات الاتصال تلك ويستخدمها فيما بعد. وعلى الرغم من أن فيسبوك يقر بشكل صريح بأنه يستخدم بيانات الاتصال حالياً، رفض مسؤول الخصوصية عام 2009 كريس كيلي تأكيد الأمر، واكتفى بالقول إن فيسبوك يطور الخوارزمية المسؤولة عن تقديم المقترحات، وأنه لن يدلي بمعلومات عن طريقة عمل الخوارزمية نفسها.
عدم التصريح بآلية عمل هذه الخوارزمية هو أمر محبط للغاية للمستخدمين الذي يريدون فهم ما يعرفه فيسبوك عنهم، ومدى تغلغل تلك الشبكة الاجتماعية في حياتهم الشخصية. ما قاله المتحدث باسم فيسبوك أن ظهور أحد الاقتراحات يعني أن هناك أكثر من 100 إشارة تتسبب في ظهور الشخص المقترح، وأن إشارة واحدة فقط لا تكفي ليحدث ذلك.
فيسبوك يرفض التوضيح
طالبت الكاتبة مسؤول فيسبوك أن يكونوا أكثر شفافية حول الأمر لكي لا يبدو الأمر مريباً للمستخدمين، فكان رد المتحدث بأن فيسبوك أضاف مؤخراً المزيد من المعلومات على صفحة المساعدة الخاصة بالموقع والتي تشرح كيفية عمل خاصية ظهور الأصدقاء المقترحين دعماً لمبدأ الشفافية. تقدم الصفحة نقاطاً مختصرة حول الأمر أبرزها: وجود أصدقاء مشتركين، وهو ما يعد السبب الأبرز لظهور صديق مقترح. التواجد ضمن مجموعة واحدة على فيسبوك، أو الإشارة للشخصين في صورة واحدة.
أن يكون ضمن الشبكات التي تنتمي لها، مثل مدرستك، جامعتك، أو الشركة التي تعمل بها. بيانات الاتصال التي تقوم بإضافتها وتسمح لفيسبوك بالوصول لها. تقول الكاتبة إن ما ذُكر على تلك الصفحة هو فقط خمس إشارات من بين 100 إشارة تحدث عنها فيسبوك من قبل، فما هي النقاط الـ95 المتبقية؟ يجيب متحدث باسم فيسبوك قائلاً إنهم قد اختاروا الأسباب الأبرز لتقديم اقتراح لإضافة شخص ما، وبدلاً من أن يقدم المزيد من التفسيرات، أخبر ذلك المتحدث الكاتبة أنه بإمكانها أن تلغي نظام الاقتراحات بالكامل إن لم يعجبها.
تضيف الكاتبة أن ظهور أشخاص مقترحين تعرفهم في الواقع لم يعد الأمر الوحيد الذي يصيبها بالتوتر، بل ظهور بعض الغرباء أيضاً، إذ يدفعها للتساؤل عن الروابط بينها وبينهم. تختتم الكاتبة المقال بسؤال مفتوح وهو: «هم أشخاص لا أعرفهم في الواقع، ولكن هل هم أشخاص يجب أن أعرفهم؟».
المصدر: ساسة بوست