تعتبرُ منطقةُ الوطاء "تحت المهاد" (Hypothalamus) إحدى المناطق المهمةِ في الدماغ، فبالرغم من صغرِ حجمِها (تُشكّل حوالي 2% من حجم الدماغ)، إلا أنّها تقومُ بتنظيمِ عملياتٍ مهمةٍ تتضمنُ النمو، التطور، التكاثر والاستقلاب. وإضافةً إلى ذلك أظهرت دراسةٌ قامَ بها باحثونَ من جامعة ألبرت إينشتاين الطّبية في العام 2013 أنّها تنظّمُ عمليةَ التّقدم في السّن أيضاً.
وفي الوقت الحاضر حدّد باحثونَ من الجامعةِ ذاتِها خلايا الوطاء التي تتحكمُ بسرعةِ التّقدمِ في السّن وإطالةِ العمر، وظهرَ أنّها عبارة عن تجمّعٍ صغيرٍ من الخلايا الجذعية العصبيّة البالغة، والتي يُعرَفُ عنها أنّها مسؤولةٌ عن تشكيلِ خلايا عصبية جديدة.
ما أهميةُ هذا الاكتشاف؟
قد يقود هذا الاكتشافُ إلى استراتيجيات جديدة يمكنُ من خلالِها تفادي الأمراض المرتبطة بالسّن، فضلاً عن إيجادِ طرقٍ لإطالةِ العمر.
فكما يشرحُ الباحثُ الرئيسي في الدراسة:" يُظهِرُ بحثُنا أنّ عددَ الخلايا الجذعية العصبيّة الموجودة في الوطاء ينخفضُ بشكلٍ طبيعي مع تقدّم الحيوان بالسّن، وهذا الانخفاضُ يُسرّعُ الشيخوخة، لكننا وجدنا أيضاً أنّ آثارَ الخسارة قابلة للعكس.
فعن طريقِ تعويضِ هذه الخلايا الجذعية أو الجزيئات التي تنتجها فمن الممكن إبطاء أو حتى عكس العديد من مظاهرِ التّقدمِ بالسّن على امتداد الجسم".
كيف تمّت الدراسة؟
المرحلة الأولى: التحققُ من العلاقةِ بين الخلايا الجذعيّة المتواجدةِ في الوطاءِ والتّقدم بالسّن.
لمعرفة ذلك، راقبَ الباحثون مصيرَ هذه الخلايا مع تقدمِ الفئرانِ السّليمةِ بالسّن. وقد لاحظوا أنّ عددَ الخلايا بدأ يتقلصُ عندما قاربَ عمرُ الفأرِ عشرة أشهر، وهو أبكر بعدةِ أشهرٍ عن العمر الذي تبدأ عنده مظاهرُ التّقدمِ بالسّن بالظهور، أما عند الوصولِ لسنِ الشيخوخة حوالي سنتين بالنسبة للفئران، فإنّ أغلبَ هذه الخلايا كانت قد اختفت.
بعد ذلك، كان لا بدّ من معرفةِ فيما إذا كانت هذه الخسارةُ المتدرجةُ للخلايا الجذعية مسببة بالفعل للشيخوخة وليست مرتبطة بها وحسب. لذا راقبوا ما الذي يحصلُ عندما يتمّ تعطيلُ الخلايا الجذعية الخاصةِ بمنطقةِ الوطاء عند فئران متوسطة العمر. وقد أدى هذا التعطيل إلى تسريعِ الشيخوخةِ بشكلٍ كبيرٍ مقارنةً بالفئران الشاهد، كما أنّ الحيوانات ذات الخلايا الجذعية المعطلة ماتت أبكر من المعدل الطبيعي.
المرحلة الثانية: هل يعني ذلك أنّ إعادةَ الخلايا الجذعية إلى منطقةِ الوطاء تبطلُ الشيخوخة؟
للإجابة على هذا السؤال، حقنَ الباحثونَ خلايا جذعيةً معزولةً من الوطاء في أدمغةِ فئرانٍ متوسطةِ العمرِ كانت خلاياها الجذعية قد دُمّرت، كما حقنوها في أدمغةِ فئرانٍ سليمةٍ متقدمةٍ بالسّن. وفي كلتا المجموعتين، أدى الحقن إلى إبطاءِ أو عكسِ مقاييس مختلفة لمظاهر التّقدم بالسّن.
ما هي الآلية التي يتمّ بها ذلك؟
وجد الباحثون أنّ الخلايا الجذعيةَ المتواجدةَ في منطقة الوطاء تُطبِّقُ آثارَها المضادّة للشيخوخة عن طريق تحرير جزيئات ال microRNA (miRNAs)، والتي عوضاً عن الانخراط في تصنيع البروتين، تلعبُ دوراً في تنظيم التعبير الجيني.
وتتوضعُ هذه الجزئيات ضمنَ حويصلاتٍ صغيرةٍ تُدعى بالـ exosome، والتي تقومُ بإطلاقِها الخلايا الجذعية الموجودة في الوطاء ضمنَ السائلِ الدماغي الشوكيّ الخاصِ بالفئران.
استخلص الباحثون الـ exosome الحاوي على miRNA من الخلايا الجذعية في الوطاء وحقنوها ضمنَ السائلِ الدماغيّ الشوكيّ لمجموعتين من الفئران: فئران متوسطة العمر كانت خلاياه الجذعية في منطقة الوطاء قد دمرت، وفئران متوسطة العمر سليمة. أدى هذا العلاج إلى إبطاءِ الشيخوخةِ بشكلٍ ملحوظٍ في كلتا المجموعتين والذي تمّ قياسُه اعتماداً على تحليلِ الأنسجةِ المأخوذةِ من تلك الفئران، إضافةً إلى الاختبارات السلوكية التي تضمنت تقييمَ التغيراتِ التي تطرأ على كلٍّ من القدرةِ التحمليةِ لعضلات الحيوانات، والتناسق الحركي، فضلاً عن تقييم السلوك الاجتماعي والقدرة الإدراكية.
أخيراً، يحاولُ الباحثونَ الآن تحديدَ مجموعاتٍ معينةٍ من جزيئات ال miRNA لدراسةِ أثرِها بشكلٍ منفصلٍ إلى جانبِ العواملِ المحتملةِ الأخرى المفرزة من قبل تلك الخلايا الجذعية المسؤولة عن هذه المظاهرِ المضادّة للتقدم بالسّن، وهي خطوةٌ أولى تجاه إبطاء عملية الشيخوخة ومعالجة الأمراض المرتبطة بالّسن.
المصدر: الباحثون السوريون. أنقر هنا أيضاً, وهنا