ما الذي ينفق عليه الأميركيون أكثر من 60 مليار دولار سنوياً؟ ضخامة الرقم تقود الإنسان إلى التفكير بالصناعات الكبيرة مثل صناعة السلاح، لكن في الواقع الأمر مختلف تماماً، فهذا الرقم يتم إنفاقه على منتجات تخفيف الوزن وبرامج الحمية التي تعد الناس بالعديد من الكيلوغرامات التي ستتم خسارتها.
لكن ورغم النشاط الكبير لهذا السوق، لا تزال تتردد العبارة المعهودة: “هذه الحمية لا تجدي نفعاً”.
فرضية منطقية
تقوم معضلة خسارة الوزن على فرضية منطقية موجودة لدى أغلب الناس، تقول هذه الفرضية أنه إذا قللنا كمية الحريرات التي نتناولها، سيستمر الجسم بحرق الطاقة بالمعدل الطبيعي، وعندما سيستهلك تلك الحريرات القليلة، سيبدأ بحرق الدهون وبالتالي ستبدأ عملية خسارة الوزن. لكن هل هذه الفرضية صحيحة؟
فريق بحثي من جامعة كامبريدج قرر الرد على هذا التساؤل بالاعتماد على طرائق البحث العلمي وقام بنشر نتيجة أبحاثه يوم 23 مايو بمجلة إي لايف eLife.
بالبداية، يجب أن نعلم أن هناك منطقة صغيرة جداً بالدماغ تسمى الهيبوثالاموس أو تحت المهاد، لكنها رغم ضآلة حجمها، تتولى عدة مهام تتعلق بالجوع، المزاج، حرارة الجسم، النوم وغيرها من الوظائف. وضمن هذه المنطقة توجد مجموعة من الخلايا العصبية تسمى إي جي أر بي AGRP هي التي تتحكم بإطلاق إشارة الجوع والتي تدفع الإنسان لتناول الطعام أو للامتناع عنه. ولدراسة تأثير هذه المنطقة على تناول الطعام وحرق الحريرات تمت الاستعانة بأشباه البشر من الناحية الجينية، الفئران.
غرف الاستقلاب
غرف الاستقلاب هي بيئات مخبرية يتم فيها دراسة تأثير الطعام والشراب والهواء على العينات المدروسة، وقد تم وضع فئران ضمن هذه البيئة لكن بعد أن تم تعديلهم جينياً لكي يتمكن الباحثون من تفعيل أو تعطيل منطقة الـ AGRP عن طريق شراب يتم إعطاؤه للفأر. وقد تم تزويد التجربة بحساسات تقيس حرارة جسم الفأر، لأن حرارة الجسم تعبر عن مدى حرقه للحريرات. وبذلك أصبح من الممكن الربط بين تناول الطعام وحرق الدهون.
ميزان دقيق
بعد الدراسة وتدقيق النتائج، تبين أن الفئران التي يتم إعطاؤها القليل من الطعام، يزداد نشاطها لكن تتقلص معدلات استهلاكها للطاقة، لكن ما أن يتم إعطاؤها كميات الطعام الطبيعية حتى يعود معدل الحرق إلى سوياته المعهودة. وعند إخضاع الفئران لنظام غذائي لزيادة الوزن كان معدل حرقها للحريرات يسير بسرعة كبيرة.
هنا كانت النتيجة واضحة، الجسم يكيّف حرقه للحريرات واستهلاكه للطاقة مع مقدار الحريرات التي يتلقاها، فهو لا يحرق أكثر مما يتلقى، وكان هذا هو سبب المعضلة التي عانى منها الكثيرين، والتي جعلتهم يعتقدون أن الكميات القليلة من الطعام ستجعل ميزان “الطعام-الحرق” يميل لصالح الأخيرة، لكن تبين أن الميزان يظل محافظاً على توازنه.
كسر التوازن
بالتأكيد لن تؤدي الدراسة المذكورة لإغلاق جميع الأبواب أمام الساعين للتخلص من الوزن الزائد، لكنها تنذر أولئك الذين يكتفون بتخفيف الطعام بأنهم لن يحصلو على أي نتيجة. ينبغي بالإضافة إلى الحمية، إجراء التمارين الرياضية لأنها الوسيلة الوحيدة لدفع الجسم لحرق المزيد من الحريرات دون تعويضها بأخرى.
بالنهاية يبدو أن الجسم يتّبع نظاماً سليماً ومتوارناً، لكن نحن من نخلّ بهذا التوازن ثم نسعى لتدارك أخطائنا.