توضح البيانات العالمية أن المتوسط العمر المتوقع عند الولادة للأنسان قد ارتفع بمقدار 5 سنوات خلال الفترة الواقعة بين عامي 2000 و2015، أي بمعدل 4 شهور لكل عام. وبافتراض أن هذا المعدل سيستمر على الوتيرة ذاتها حتى نهاية هذا القرن، فسوف يرتفع المتوسط العالمي للعمر المتوقع عند الولادة بنحو 28.3 عاماً ليصل إلى 100 عام تقريباً. وسوف يؤدي ذلك إلى وجود أكثر من مليار إنسان ممن تتجاوز أعمارهم المئة في القرن القادم.
ويوافق بعض العلماء على هذه الصورة ويعترض آخرون بحجة وجود حد أعلى لزيادة متوسط العمر المتوقع، وأن معدلات الزيادة لا يمكن أن تستمر بالوتيرة الحالية لفترة طويلة.
وسط هذا الجدل العلمي، برزت أجوبة مثيرة للاهتمام من شركات غير متوقعة. يقول بيل ماريس، المؤسس والرئيس السابق لمؤسسة "غوغل فينتشرز"، الذراع الاستثماري لشركة غوغل، "إذا سألتني اليوم هل يمكن لنا أن نعيش حتى عمر 500 عام؟ فجوابي هو نعم".
لكن ما علاقة شركة غوغل بهذه المسائل؟
حمل غلاف عدد 30 سبتمبر/أيلول 2013 من مجلة تايم الأميركية العنوان "هل تستطيع غوغل إيجاد حل للموت؟"، جاء هذا العنوان المثير بمناسبة إطلاق غوغل لشركة كاليكو (مختصر من "شركة كاليفورنيا للحياة") متخصصة في التقنية الحيوية، وتهدف إلى مكافحة الشيخوخة والأمراض المرتبطة بها.
وفي الرسالة الموجهة من المؤسسين وصف لاري بيج -الشريك المؤسس لشركة غوغل- كاليكو بأنها شركة تركز على الصحة والرفاه وطول العمر، أما سيرجي برين الشريك الآخر المؤسس لشركة غوغل، فقال إنه يأمل في إيجاد "علاج للموت".
تتمثل الطفرة العلمية التي يشهدها الطب حالياً في الانتقال من العلاج السطحي إلى العلاج الجيني الذي اكتسب زخماً كبيراً بعد تطوير تقنية تحرير الشفرة الجينية "كريسبر/كاس9"، وهذا ما دفع شركات التكنولوجيا إلى استثمار مليارات الدولارات وتوظيف أفضل العلماء من أجل إيجاد حلول لتمديد حياة الإنسان أكثر بكثير من المعدلات الراهنة.
"فإذا كانت الشيخوخة شيفرة برمجية فبإمكاننا اختراقها والتحكم بها"، حسب قول الطبيب الكوري/الأميركي جون يون الذي أسس عام 2014 جائزة قيمتها مليون دولار لتشجيع الفرق من جميع أنحاء العالم على إجراء الأبحاث الهادفة إلى اختراق الشفرة البرمجية التي تنظم صحة الإنسان وتتحكم بطول عمره.
ويرى قادة شركات التكنولوجيا اليوم أن صحة الإنسان أصبحت من اختصاص تكنولوجيا المعلومات، وبالتالي باتت تخضع لمعدلات نموها المرتفعة جدا، ولم تعد أسيرة معدلات النمو التقليدية البطيئة، وأن التعريف التقليدي للعمر المتوقع عند الولادة الذي ينص على أنه متوسط عدد السنوات التي يتوقع أن يعيش فيها المولود حديثا إذا ظلت الظروف الصحية والمعيشية عند ولادته هي نفسها طوال حياته، لم يعد يفي بالغرض.
وغوغل ليست شركة التكنولوجيا الوحيدة التي ضخت مبالغ كبيرة لمكافحة الشيخوخة، فلاري إليسون (73 عاما) رجل الأعمال الأميركي والمليارير المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أوراكل، وهي إحدى الشركات العملاقة في صناعة البرمجيات، لم يُخفِ سعيه للخلود، ولتحقيق ذلك أنشأ مؤسسة إليسون التي تركز على البحوث الهادفة لإيجاد علاج للشيخوخة، واستثمر فيها 430 مليون دولار.
يقول إليسون "لا معنى للموت بالنسبة لي. كيف يمكن لشخص أن يوجد في هذا العالم، ثم يختفي، فلا يعود موجودا". ويعتقد أن الموت مجرد شركة منافسة أخرى يمكن التغلب عليها.
وبدوره، قرر مؤسس شركة فيسبوك مارك زوكربيرغ (33 عاماً) استثمار ما لا يقل عن 3 مليارات دولار على مدى العقد المقبل، بهدف منع أو إيجاد علاج لجميع الأمراض بحلول نهاية القرن الحالي، ما سيؤدي إلى شيخوخة صحية وزيادة كبيرة في متوسط عمر الإنسان.
وبالإضافة إلى ذلك، فزوكربيرغ من المساهمين مع سيرجي برين وآخرين بالجائزة السنوية الخاصة بعلوم الحياة البالغة ثلاثة ملايين دولار والمخصصة لأبحاث تمديد عمر الإنسان.
ولا تبتعد توجهات الرئيس التنفيذي لشركة أمازون جيف بيزوس (53 عاماً) عن توجهات مؤسسي شركات التكنولوجيا الآخرين، فقد استثمر ملايين الدولارات في شركة يونتي للتكنولوجيا الحيوية، وهي شركة ناشئة تهدف إلى إيجاد حل جذري للمشاكل الصحية المرافقة للشيخوخة.
في المقابل تبدو أهداف الملياردير بيتر تيل (50 عاماً)، الشريك المؤسس لشركة باي بال المتخصصة في تحويل الأموال عبر الإنترنت، متواضعة فهو يتطلع للعيش حتى 120 سنة فقط، ولتحقيق ذلك، استثمر تيل ملايين الدولارات في شركات معالجة الشيخوخة. ومن أقواله في هذا المجال "الموت هو العدو الأعظم".
هل سيحتكر الأغنياء العمر المديد؟
يتحدث فيلم الخيال العلمي "في الوقت المحدد" (In Time) الذي أنتج عام 2011، عن مجتمع مستقبلي يرتبط الانقسام الطبقي فيه بالأعمار، التي تتراوح بين 25 عاما في المناطق الفقيرة عمريا، وآلاف السنين في المناطق الغنية عمريا، حيث تتحول فيه العملة النقدية إلى دقائق وساعات وأسابيع وشهور وسنوات، ويمكن اكتساب أو خسارة وحدات عمرية من خلال الاتجار بالسلع والخدمات، وينتهي الفيلم بثورة يقودها الفقراء عمرياً ضد الأغنياء عمرياً.
يتوقع بعض المفكرين أن المرحلة الأولى -على الأقل- من تطوير علاجات فعالة لمكافحة الشيخوخة ستكون مكلفة، ولن يتمكن من الحصول عليها سوى الميسورين في البلدان المتقدمة، أما في البلدان الفقيرة حيث يبلغ دخل معظم أفرادها أقل من دولارين في اليوم، فلن تكون هذه الرفاهية بمتناولهم.
ولهذا يعتبر مؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس، وصاحب "مؤسسة بيل وميليندا غيتس"، أكبر مؤسسة خيرية في العالم (أنفقت مايزيد على أربعين مليار دولار لمواجهة التحديات الصحية في البلدان الفقيرة)، أن إنفاق مبالغ طائلة على هذه الأبحاث، ينطلق من أنانية الأغنياء.
يقول غيتس "من الأنانية المفرطة أن يمول الأغنياء أبحاثاً تمكنهم من العيش لفترة أطول، بينما أمراض السل والملاريا لا تزال منتشرة".
وبعيدا عن آراء غيتس الإنسانية والاحتكار المتوقع للعمر المديد والمسائل الأخلاقية التي يثيرها، فالتقدم العلمي على هذا الصعيد يحقق نجاحات كبيرة إلى درجة دفعت العالم البريطاني المتخصص في أبحاث الجينات ومعالجة الشيخوخة أوبري دي غراي (54 عاماً) الذي يرأس الفريق العلمي في مؤسسة سينس الأميركية للبحوث للقول "إن أول إنسان سيعيش حتى عمر 150 عاماً هو موجود بيننا حالياً، وأن أول إنسان سيعيش حتى عمر ألف سنة هو أصغر من ذلك الذي سيعيش 150 عاماً بمقدار 10 سنوات فقط".
المصدر: الجزيرة نت