يسعى الإنسان منذ الأزل إلى الخلود، وكتب عن هذا الموضوع كثير من الفلاسفة، كما بحث فيه العلماء، والكيميائيون، والأطباء، إلى أن أدركوا أخيراً أن محاولات بلوغ الخلود ضربٌ من الجنون، وأن أهمية هذه الفكرة لن تتجاوز كونها مجرد موضوع مثير لفيلم ذي إنتاج ضخم من هوليوود.
لكن الفكرة ما زالت تراود أشخاصاً من طبقات اجتماعية مرموقة حول العالم؛ إذ إنهم على استعداد لإنفاق جميع مدخراتهم، والخضوع لمختلف التجارب، في سبيل حصولهم على حياة أبدية، وفي هذا التقرير سنتعرف على هذه التجارب، والمحاولات.
1- باحث علمي ينتحر ليحقق الخلود
ابتكر باحث في جامعة هارفارد، يدعى كين هايورث، هذه الفكرة، وحولها إلى مشروع حقيقي يعمل عليه حالياً على قدمٍ وساق؛ إذ يستعد هذا العالِم للتضحية بحياته، في سبيل تحقيق هذا المشروع في السنوات القليلة القادمة.
وتقوم الفكرة الرئيسية على انتحار هايورث عن طريق الحقن السام، ليقوم زملاؤه باستئصال دماغه، وتخزينها في محلول، من المفترض أن يحافظ على جميع الخلايا العصبية للدماغ، بالإضافة إلى قدرته على الحفاظ على النخاع الشوكي، ثم الانتظار إلى حين اختراع كمبيوتر، أو رجل آلي فائق التطور يدمج دماغ الباحث معه، ومع أفكاره، وإدراكه، ليتحقق بذلك إعادته إلى الحياة.
2- روبوتات بشرية أشبه بفيلم Avatar
تعتبر هذه الفكرة مشابهة نوعاً ما للفكرة السابقة، إلا أن الفرق هنا أن مبتكرها لا يفكر أبداً في التضحية بحياته من أجل تنفيذها، بالإضافة إلى أنه لن ينتظر اختراع كمبيوتر، أو روبوتات فائقة التطور؛ لأن هذا هو أساس فكرته في الأصل.
إذ يقوم مشروعه بالأساس على بناء هذه الروبوتات التي ستتمتَّع بالذكاء الاصطناعي، لتُنقل شخصية، وأفكار البشر إليها.
كما يطمح إلى الحصول على روبوتات تتحدى العجز الذي يطرأ على أجسام البشر مع تقدُّم العمر، إلا أنها تحافظ على شخصية الإنسان ودماغه. بمعنى آخر، سيكون لدينا روبوتات بشرية إن صح التعبير، والأهم أن هذه الروبوتات ستتمكن من الاستمرار لقرون، وذلك ضمن مشروع يسمى "أفاتار 2045" نسبة إلى فيلم "أفاتار" للمخرج الشهير جيمس كاميرون، والذي يقدم فكرة مشابهة، أما 2045 فيمثل العام الذي من المتوقع إنهاء المشروع فيه.
مبتكر هذه الفكرة الملياردير الروسي الشاب Dmitry Itskov، الذي حشد مجموعة من أشهر الخبراء في مجال الأعصاب، والتكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي لتنفيذ فكرته، نذكر منهم عالم الحواسيب الشهير، رايموند كورزويل، الذي يعمل بشركة جوجل حالياً مديراً لقسم الهندسة.
وينقسم العمل على هذا المشروع إلى عدة أقسام؛ أهمها القدرة على دمج دماغ آدمي مع روبوت، بحلول عام 2035، وهو الأمر الذي سيفيد بالتأكيد كين هايورث، الذي تحدثنا عنه في التجربة الأولى، إذا قام بالفعل بأخذ خطوات جدية لتنفيذ مخططه القاضي بوضع حد لحياته.
3- قنديل البحر يخدع الموت!
على الرغم من أن الخلود لا يزال حلماً بالنسبة للبشر، فإن هذا لا يعني أنه غير متاح لبقية المخلوقات، ففي الواقع نجد مخلوقاً حياً قادراً على البقاء على قيد الحياة إلى الأبد، وهو نوع من قناديل البحر يسمى علمياً Turritopsis Nutricula.
ويتواجد هذا المخلوق العجيب في جميع محيطات العالم، ولا يتجاوز حجمه أكثر من 5 ملليمترات، إلا أنه يتميز بخاصية أشبه بالمعجز؛ إذ إنه كلما وصل إلى مرحلة الشيخوخة، يقوم بخداع الموت بأن يحول جسمه مرةً أخرى إلى مرحلة الشباب، وهكذا تستمر دورة حياته إلى ما لا نهاية، ليتمكن هذا الكائن البحري -في حال عدم التهامه بواسطة أسماك أخرى- من البقاء على قيد الحياة إلى الأبد.
وأدهشت هذه القدرة العلماء، إلى درجة قيامهم بالعديد من الأبحاث لفهم الكيفية التي يعود بها إلى مرحلة الشباب، ليستغلوها لمصلحة البشر؛ من أجل تمكينهم يوماً ما من القدرة التي يتمتع بها أحد المخلوقات الأكثر غرابةً وإدهاشاً على كوكبنا.
4- مشروعات استثمارية لإغراء البشر بالخلود
يبدو أن الأمل في الخلود يتجاوز كونه مشروعاً علمياً مستقبلياً، إلى كونه فكرة مدرّة للأموال الطائلة على أصحابها، الذين قرروا استغلال رغبة البعض في أن ينعموا بحياة أبدية، حتى وإن كانوا يؤمنون في قرارة أنفسهم بأن الأمر مستحيل، فلا مانع لديهم من الانتفاع من أحلام، وآمال الآخرين.
ويوجد ما يقارب 300 شخص حول العالم جرى تجميد أجسادهم بعد موتهم؛ بهدف الحفاظ عليها من التعفن، وذلك في انتظار تطور العلم وبلوغه درجة يستطيع معها التغلب على الموت ليعودوا إلى الحياة مرة أخرى.
وتكلّف هذه الخدمة ما يتراوح بين 12 ألفاً و200 ألف دولار للشخص الواحد، وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 1500 شخص حول العالم قاموا بحجز أماكن لتجميد أجسامهم، أو أدمغتهم، بعد وفاتهم، ليتمكنوا من العودة إلى الحياة بعد سنوات، أو ربما قرون.
ولكن، إذا افترضنا أن البشر سيتمكنون من التغلب على الموت يوماً ما، فهل ستستمر هذه الشركات في عملها إلى ذلك الحين؟ أم أنها ستفلس، وتقوم بإلقاء أجساد هؤلاء الأشخاص الذين أنفقوا ثروات من أجل حلم لن يتحقق!
المصدر : هافينغتون بوست