التوحد هو مرض عصبي يوصف كاضطراب بيولوجي معقّد وشديد في تطور الدماغ، ويشخص عادة في الطفولة المبكرة. وصف لأول مرة في الأربعينيات من القرن الماضي من قبل ليو كينير (Leo Kenner)، أخصائي في الطب النفسي عند الأطفال، على أنه ناتج عن رفض الطفل من قبل الأمهات الباردات عاطفياً (Refrigerator Mothers), في الخمسينات والستينات قام برونو بيتلهم (Bruno Bettelheim) بنشر هذه الفكرة، لكن بعد ذلك الوقت رفضت الدراسات العائلية المجراة بدقة صحّة هذه الفرضية.
من العلامات المميّزة له الصعوبات في التواصل الاجتماعي والسلوك التكراري. لا يوجد مؤشر بيوكيميائي ولا اضطراب عصبي واضح ونوعي يستطيع أن يحدد التوحّد، ويعتمد التشخيص على التقييم السلوكي والسريري.
تتنوّع أعراض وعلامات التوحّد من الخفيفة إلى الحادة، وهذا المجال من التنوع يسمى طيف (Spectrum) ولذلك يسمى اضطراب التوحد باضطراب طيف التوحد (Autism Spectrum Disorder) واختصاراً ASD.
عندما تكون الأعراض خفيفة جداً يسمى الاضطراب توحد عالي الأداء (High Functioning Autism)، ومن أنماط التوحّد الخفيف متلازمة أسبيرجر (Asperger Syndrome).
عندما لا يستطيع الأطباء تحديد درجة التوحد فإنهم يستخدمون مصطلح اضطراب تطوري واسع غير محدد (Pervasive Developmental Disorder–Not Otherwise Specified)، وعندما تكون الأعراض حادة فإن مصطلح التوحّد (Autism) هو المستخدم.
إن حوالي 50% من الأطفال المصابين بالتوحّد لديهم إعاقات فكرية، بعضهم لديه حجم زائد غير طبيعي في الدماغ، حوالي ثلثهم حصل معه نوبتي صرع على الأقل في المراهقة المتأخّرة ونصفهم لديه اضطراب حاد في الكلام.
ولكن بعضهم وبشكل خاص الذين يعانون من متلازمة أسبيرجر لديهم قدرات فكرية متطورة بشكل كبير وغالباً ما تكون في مجالات محددة مثل الرياضيات.
ارتفعت المعدلات المسجلة من التوحّد بشكل ملحوظ في عدة بلدان وخصوصاً خلال العقدين الماضيين. قدر انتشاره في العالم بـ 15-10 حالة لكل 10.000 شخص أي بما يعادل 2.64%.
وسجلت الدراسات أعلى نسبة حدوث في اليابان مقارنة بباقي دول العالم, ربما يعود ذلك إلى الدراسات الدقيقة التي قام بها اليابانيون والتي غطّت كل الحالات.
يعتبر التوحد أكثر انتشاراً عند الذكور منه عند الإناث بنسبة 4.6 إلى 1
أثار هذا الانتشار الكبير للتوحد جدلاً فيما إذا كانت تأثيرات العصر قد ساهمت فيه أم أنّه مجرد نتيجة للتوسع في تعريف المرض وتشخيصه وازدياد الدراسات الإحصائية عنه.
أعراض وعلامات التوحّد:
تتنوع أعراض وعلامات التوحّد بشكل كبير. بعض الأطفال المصابين بالتوحد يعانون من ضعف خفيف في القدرات بينما يكون لدى بعضهم الآخر صعوبات أكبر.
نموذجياً تتراوح الصعوبات بين : ضعف المهارات الاجتماعية وصعوبات في الكلام واللغة وصعوبات تواصل غير لفظية وسلوك غير مرن.
– أعراض وعلامات الصعوبات الاجتماعية:
يمكن أن يكون التفاعل الاجتماعي صعباً على الأطفال المصابين بالتوحّد، وهم يفضّلون العيش في عالمهم الخاص بعيداً عن الآخرين، ويتظاهر ذلك بكونهم:
* يبدون غير مهتمين بالأشخاص الآخرين وغير آبهين بما يجري حولهم.
* لا يعرفون كيف يتواصلون مع الآخرين أو كيف يلعبون أو يكتسبون الأصدقاء.
* يفضلون أن لا يلمسهم، يداعبهم، أو يحملهم أحد.
* لا يشتركون في ألعاب جماعية مع الأطفال الآخرين ولا يحاولون تقليدهم ولا يستخدمون الدمى بطرق مبتكرة.
* لديهم مشاكل في فهم الأحاسيس والتكلم عنها.
* لا يبدوا أنّهم ينصتون عندما يتكلم أحد اليهم.
* لا يتشاركون الاهتمامات والمقتنيات مع الآخرين (الدمى – الرسومات …).
– أعراض وعلامات الصعوبات في التكلم واللغة:
يبدأ الأطفال المصابون بالتوحّد عادة بالتّكلم في سن متأخرة وهم:
* يتكلمون بنغمة صوت غير طبيعية أو بنبرة غريبة (مثال: ينهون كل الجمل كما لو أنهم يطرحون سؤال).
* يرددون الكلمات أو العبارات نفسها مراراً وتكراراً.
* يستجيبون للسؤال بتكراره وليس بالإجابة عليه.
* يتكلمون عن أنفسهم بصيغة الغائب (هو،هي).
* يستخدمون اللغة بطريقة غير صحيحة من ناحية القواعد والكلمات
* لديهم صعوبة في توصيل الحاجات والرغبات.
* لا يفهمون التوجيهات والأوامر البسيطة.
* يفهمون الكلام بشكل حرفي (لا يفهمون المعاني المبطّنة للدّعابة أو السخرية والتهكم).
– أعراض وعلامات صعوبات التواصل غير اللفظي:
يكون لدى الأطفال المصابين بالتوحّد مشكلة في التقاط أو فهم التلميحات غير اللفظية واستخدام لغة الجسد، وهذا يجعل الأخذ والرد في التفاعل الاجتماعي صعباً فهم:
* يتجنبون التواصل بالعيون أو النظر الى العيون عند التكّلم.
* يستخدمون تعابير وجهية غير متناسبة مع الكلام الذي يقولونه.
* لا يلاحظون تعابير وجه الآخرين أو نبرات أصواتهم أو ايماآتهم.
* لا يقومون بأي ايماءات كالإشارة لشيء معين و يقومون بحركات مشابهة لحركات الرجل الآلي.
* يستجيبون بطريقة غير اعتيادية للابتسامات والأصوات، وربما هم حساسون بشكل خاص للضجة العالية.
* يقفون بطريقة غير طبيعية أو يمشون بطريقة غريبة (على رؤوس أصابعهم مثلاً).
– أعراض وعلامات العناد وعدم المرونة:
غالباً ما يكون أطفال التوحّد مقيِّدون جامدون واستحواذيون في تصرفاتهم ونشاطاتهم واهتماماتهم فهم:
* يتّبعون روتين صارم (يصرّون على أخذ طريق محدد الى المدرسة).
* يجدون صعوبة في التأقلم مع أي تغيير في برنامجهم المعتاد أو الجو المحيط بهم (يغضبون اذا أعيد ترتيب الأثاث أو إذا ذهبوا للنوم في غير الوقت المعتاد).
* يتعاملون بشكل غير معتاد مع الدمى والأشياء الغريبة كالأزرار ومفاتيح الأضواء والوصلات المطاطية.
* يرتبون الأشياء بشكل مفرط وبترتيب معين.
* ينهمكون ويستغرقون في مجال ضيق من الاهتمام غالباً يتضمّن أرقام أو إشارات (يستذكرون الخرائط، جداول مواعيد القطارات أو نتائج المباريات الرياضية).
* يقضون فترات طويلة وهم يرتبون الدمى بطريقة معينة أو يشاهدون الأشياء المتحركة كمروحة السقف ويركّزون بصرهم على جزء محدّد من الشيء كالعجلات في دمية على شكل سيارة.
* يكررون نفس التصرف والحركة كالتصفيق (يسمى ذلك بالتحفيز الذاتي).
مقياس تقدير التوحد لدى الأطفال (Childhood Autism Rating Scale):
اختبار كارز (C.A.R.S) أو ما يُسمى بمقياس تقدير التوحد للطفولة هو عبارة عن15 مهارة يقوم المختص بتقييمها للطفل من عمر سنتين فأكثر من خلال الآتي:
1- إقامة العلاقة مع الناس.
2- القدرة على التقليد والمحاكاة.
3- الاستجابة العاطفية.
4- استخدام الجسم.
5- استخدام الاشياء.
6- التكيف والتأقلم.
7- الاستجابة البصرية.
8- استجابة الانصات (الاستماع).
9- استجابات استخدام التذوق والشم واللمس.
10- الخوف والعصبية.
11- التواصل اللفظي.
12- التواصل غير اللفظي.
13- مستوى النشاط.
14- مستوى وثبات الاستجابة الذهنية.
15- الانطباعات العامة.
يقوم الأخصائي من خلال ملاحظته للطفل وبناءً على بعض المعلومات من الأهل بإعطاء درجة للطفل تتراوح من 1 إلى 4 درجات بحسب مطابقتها لبنود الاختبار:
* درجة واحدة (1) سلوك عادي أو طبيعي ومناسب مع سن الطفل.
* درجتان (2) السلوك غير طبيعي وغير سوي بدرجة طفيفة.
* ثلاث درجات (3) السلوك غير طبيعي وغير سوي بدرجة متوسطة.
* أربع درجات (4) السلوك غير طبيعي وغير مناسب ومعوق بدرجة شديدة.
كذلك يمكن استخدام أنصاف الدرجات (1.5, 2.5, 3.5).
يتراوح المجموع ما بين 15 الى 60, ثم بعد ذلك يُحتسب المجموع وتكون النتيجة كالاتي:
* من 15 إلى 29 ليس توحد.
* من 30 إلى 37 توحد بسيط إلى معتدل.
* من 38 إلى 60 توحد شديد.
المصدر : أنا أصدق العلم