في سعيٍ مستمر لفهم كيف ظهرت المياه على كوكب الأرض، أجرى العلماء بحثاً أدى إلى اكتشاف مذهل يتمثل في وجود محيط هائل مخبأ في وشاح الأرض. هذا المحيط الموجود على عمق 700 كيلومتر تحت سطح الأرض، يقبع تحت صخور الرينغووديت الزرقاء ويحتوي على كمية من المياه تفوق ثلاثة أضعاف مجموع مياه جميع المحيطات الظاهرة على الأرض.
لا يُنسب هذا الاكتشاف إلى شخص واحد، بل هو نتاج عمل جماعي لعدد من العلماء من مختلف أنحاء العالم. فقد بدأ البحث عن هذا المحيط في التسعينيات، عندما لاحظ العلماء بعض التناقضات في البيانات التي تم جمعها من دراسات الزلازل. في عام 2014، نشر فريق من العلماء بقيادة الدكتورة دونا كادوش من جامعة كاليفورنيا بيركلي ورقة علمية تُقدم أدلة قوية على وجود هذا المحيط. منذ ذلك الحين، واصل العديد من العلماء دراسة هذا المحيط باستخدام تقنيات جديدة، مثل محاكاة الكمبيوتر والتجارب المخبرية. لا تزال دراسة هذا المحيط في مراحلها الأولى، وهناك الكثير من المعلومات التي لم يتم اكتشافها بعد. يُعد هذا الاكتشاف إنجازاً علمياً هائلًا له تداعيات كبيرة على فهمنا للكون.
هذا الاكتشاف يفتح الباب أمام نظرية جديدة بخصوص أصل المياه على كوكبنا، معارضة بذلك الفرضية السابقة التي تقول إن مياه الأرض نشأت من تأثير اصطدامات المذنبات. بدلاً من ذلك، تقترح الدراسات الحديثة أن المياه تتسرب تدريجياً إلى السطح من باطن الأرض. ستيفن جاكوبسون، باحث من جامعة نورث وسترن، يرى في هذا الاكتشاف برهاناً قاطعاً على أن الماء الذي نجده على سطح الأرض يأتي من الأعماق السحيقة، وهو ما يساهم في استقرار حجم المحيطات على مدى ملايين السنين.
طبيعة المياه
لا تزال طبيعة مياه هذا المحيط قيد الدراسة، ولا يوجد إجماع علمي حاسم حول ما إذا كانت عذبة أم مالحة.
تشير بعض الأدلة إلى أن هذه المياه قد تكون مالحة:
-
تشابه تركيبة الصخور التي تحيط بهذا المحيط مع تركيبة قاع المحيطات.
-
وجود أملاح في بعض الصخور التي تم استخراجها من باطن الأرض.
بينما تشير أدلة أخرى إلى أن هذه المياه قد تكون عذبة:
-
وجود كميات كبيرة من الماء في باطن الأرض.
-
إمكانية تفاعل هذه المياه مع الصخور المحيطة وتغيير تركيبتها الكيميائية.
لذا، لا يمكننا الجزم بنوعية هذه المياه في الوقت الحالي.
يواصل العلماء دراسة هذا المحيط باستخدام تقنيات جديدة، وسيُقيّمون تركيبة مياهه بشكل دقيق في المستقبل.
أهمية هذا الاكتشاف
-
يُقدم دليلاً جديداً على وفرة المياه في النظام الشمسي، مما قد يُساعد في تفسير كيفية نشأة الحياة على الأرض.
-
يُقدم معلومات جديدة عن تكوين باطن الأرض، وربما يُساعد في فهم العمليات الجيولوجية مثل البراكين والزلازل.
-
يُفتح آفاقاً جديدة للبحث العلمي، ويُثير أسئلة جديدة حول إمكانية وجود حياة في باطن الأرض.
التحديات التي تواجه دراسة هذا المحيط
-
صعوبة الوصول إلى هذا المحيط بسبب عمقه الكبير.
-
الحاجة إلى تقنيات جديدة لدراسة البيئة القاسية في باطن الأرض.
-
التحديات الأخلاقية التي قد تنشأ عن استكشاف هذا المحيط.
"نحن نشهد أدلة على دورة مائية شاملة تحدث في جوف الأرض، وهذا قد يكون السبب وراء الكميات الهائلة من المياه السائلة على سطح هذا الكوكب الصالح للعيش"، يقول جاكوبسون. ويضيف أن العلماء طالما بحثوا عن هذا الاحتياطي الضخم من المياه لعقود.
في سياق هذا الاكتشاف، استخدم الباحثون أكثر من 2000 جهاز قياس زلازل موزعة عبر الولايات المتحدة. بتحليل كيفية تفاعل الموجات الزلزالية مع الصخور الرطبة وبطء حركتها خلالها، استنتج الفريق وجود كميات كبيرة من المياه مخزنة تحت السطح. هذا الاكتشاف لا يقدم فقط فهماً جديداً لدورة المياه على الأرض، بل يعيد تشكيل تصوراتنا العلمية حول هذه العملية الأساسية.
يساهم انصهار البلورات في الاحتفاظ بالماء داخل هذه المنطقة. تجدر الإشارة إلى أن العلماء يسعون الآن لجمع بيانات من موجات زلزالية على مستوى العالم لتحديد ما إذا كانت ظاهرة ذوبان الوشاح شائعة، ما يمكن أن يؤدي إلى ثورة في فهمنا لكيفية تدفق وتخزين المياه داخل كوكب الأرض.
الجدير بالذكر أن أعمق نقطة حفر وصل إليها الإنسان هي 12,262 متراً، تم الوصول إليها في بئر كولا العميق في روسيا عام 1989. وقد توقف الحفر في بئر كولا العميق بعد ذلك بسبب صعوبات تقنية، مثل ارتفاع درجات الحرارة وعدم استقرار الصخور. هناك بعض المشاريع قيد التطوير للوصول إلى أعماق أكبر في باطن الأرض، مثل مشروع Mohole الذي يهدف إلى حفر بئر يصل إلى غلاف الأرض. ولكن لا تزال هذه المشاريع في مراحلها الأولى، وهناك تحديات كبيرة يجب التغلب عليها قبل تحقيقها.