التجارة العالمية لزيت الزيتون تشهد تحديات جسيمة نتيجة ارتفاع أسعار هذا المنتج الثمين وتراجع إنتاجه في البلدان الرئيسية المصدّرة مثل إيطاليا وإسبانيا واليونان، مما دفع بعض الجماعات الإجرامية للتورط في تجارة زيت الزيتون. هذا الواقع أصبح قضية مالية وقانونية في العديد من الدول، حيث تدخلت السلطات لملاحقة المتورطين في تزوير وتدليس هذا المنتج.
في البرازيل، أكبر مستورد لزيت الزيتون في العالم، كشفت التحقيقات العديد من العلامات التجارية المغشوشة، حيث لم تلتزم بمعايير الجودة والنوعية، وبيّنت أن 60% من العلامات المتاحة في السوق تحتوي على مواد مختلطة. وكشفت قناة "سي بي أس" الأميركية جهود السلطات الإيطالية في محاربة تسلل المافيا إلى صناعة زيت الزيتون وتصدير زيت مغشوش إلى الولايات المتحدة.
تقرير نشره الصحافي توم ساندرز في كتابه "فضائح عالم زيت الزيتون" كشف عن ممارسات تجارية مشبوهة، حيث أشار إلى أن تجارة زيت الزيتون المغشوش تُعطي عوائد مالية أكبر من تجارة المخدرات مع مخاطر أقل. وأشار بيان للمفوضية الأوروبية إلى أن الغش في زيت الزيتون أصبح من أكثر أشكال الغش انتشاراً في الاتحاد الأوروبي.
وفيما لا يقتصر الغش على الجماعات الإجرامية، كشفت التحقيقات في إيطاليا أن 7 من أبرز شركات زيت الزيتون قامت بخداع المستهلكين من خلال تقديم زيت بجودة أقل مما هو معلن.
ارتفاع أسعار زيت الزيتون عالمياً
وقد شهدت أسعار زيت الزيتون أرتفاعاً حاداً عالمياً بسبب إنخفاض الانتاج الناجم عن التغيرات المناخية وإرتفاع درجات الحرارة، فقد انخفض في العام 2023 إنتاج الزيت في الدول المنتجة التي تطل على البحر الأبيض المتوسط بنسبة 41% وأدى هذا الأمر إلى عدم قدرة المنتجين على تلبية طلب السوق. بعد جفاف إسبانيا في عام 2022، ارتفعت أسعار زيت الزيتون الإسباني (أكبر منتج في العالم للصنف البكر الممتاز) بنسبة تفوق 80% وزاد سعر الزيت الإيطالي بنسبة 66% حسب الاتحاد الأوروبي.
وتتحرك الجماعات المعروفة بـ "المافيا الزراعية" في مناطق إنتاج زيت الزيتون بمنطقة البحر الأبيض المتوسط بهدف سد الفجوات وتحسين عمليات إنتاج زيت الزيتون البكر الممتاز المزيف. ووفقًا لوكالة "يوروبول"، تمكنت العصابات الإجرامية من خلط زيت الزيتون من الدرجة الاستهلاكية مع بدائل ذات جودة أقل، مما سمح لهم بتقديم أسعار تنافسية في السلاسل التوريدية القانونية.
المنتجات التي تم التلاعب بها تختلف تمامًا عن الأصلية، حيث تحتاج العصابات الإجرامية إلى زيتون عالي الجودة للزيت الأساسي المستخدم في صناعة منتجاتهم المزيفة.
هذه الظاهرة أدت إلى زيادة طفيفة في سرقة الأشجار الكاملة أو الأغصان المنتجة للزيتون. في اليونان وإيطاليا على وجه الخصوص، يتم استخدام المناشير لسرقة أغصان الزيتون من الأشجار القديمة.
حصاد الزيتون عملية معقدة، وبالتالي فإن سرقة الأشجار أو الأغصان بأكملها تعتبر أسهل من قطف الثمار، ولكن ذلك غالبًا ما يؤدي إلى تدمير الأشجار بشكل كبير.
السلطات في اليونان وإسبانيا وإيطاليا أبلغت عن زيادة في حوادث اقتحام مستودعات الزيتون وتدمير معدات الحصاد في محاولة لتأخير الحصاد لتمكين اللصوص من سرقة الزيتون.
زيت الزيتون يُعتبر أحد الأطعمة التي تشهد احتيالًا في أوروبا وهو موضوع تحقيقات متكررة وفقًا لتقرير صادر عن المفوضية الأوروبية في عام 2022.
من المحتمل أن تستمر أسعار زيت الزيتون البكر الممتاز في الارتفاع، خاصة بعد سوء الحصاد في عام 2023.
أساليب الغش
تشمل أساليب الغش في زيت الزيتون عدة أشكال من التزوير، بما في ذلك:
1- خلط الزيوت: حيث يتم خلط زيوت أخرى غير الزيتون، مثل زيوت الفول السوداني أو زيت دوار الشمس، مع زيت الزيتون لتخفيض التكاليف وزيادة الكميات دون إعلام المستهلكين.
2- التلاعب بالمكونات: قد يتم إضافة مواد كيميائية أو أصباغ صناعية أو حتى زيوت أخرى للتلاعب باللون أو الطعم لجعله يبدو أو يشعر بأنه زيت الزيتون الطبيعي مثل الكلوروفيل أو البيتا كاروتين لتلوين الزيت بألوانه المميزة باللون الأخضر أو الأصفر.
3- تزوير المصادقات والعلامات التجارية: يقوم البعض بتزوير العلامات التجارية والشهادات الغذائية للترويج لزيت الزيتون المضلل باعتباره منتج أصلي.
4- التهريب والتسويق غير المشروع: يتم تهريب كميات كبيرة من الزيت المزيف عبر الحدود دون دفع الرسوم الجمركية اللازمة أو الالتزام بمعايير الجودة والصحة.
هذه الممارسات الخبيثة تؤدي إلى تأثير سلبي على الصحة العامة، حيث يمكن أن يتعرض المستهلكون لمواد كيميائية ضارة أو زيوت لا تتوافق مع المعايير الصحية. بالإضافة إلى ذلك، تضر هذه الممارسات بسمعة الصناعة وتؤثر على الزراعة المحلية والاقتصاد.
كشف الزيت المغشوش
كشف الزيت المغشوش قد يكون تحدياً، ولكن هناك بعض الطرق التي يمكن أن تساعد في التحقق من نوعية وأصالة زيت الزيتون:
1. التحقق من العلامات التجارية والشهادات: ابحث عن العلامات التجارية المعتمدة والشهادات الدولية للجودة مثل ISO وHACCP وغيرها. هذه الشهادات تعكس الامتثال لمعايير الجودة والسلامة.
2. فحص العبوة والتعبئة: انظر إلى نوعية العبوة والتعبئة. العبوات الجيدة والمحكمة الإغلاق تُظهر الاهتمام بالمنتج وقد تكون إشارة لجودة أفضل.
3. اختبار الطعم: الزيت الأصلي يتميز بنكهة ورائحة مميزة وطعم فريد. قم بتجربة الزيت وابحث عن ملمس الفاكهة والمرارة والحموضة المعتدلة.
4. الفحص المخبري: يمكن إجراء فحصات مخبرية للزيت لتحديد مكوناته وجودته. فحص حمضية الزيت (حموضة الزيت) يعتبر مؤشراً هاماً.
5. فحص درجة الشفافية: الزيت النقي غالباً ما يكون شفافاً، وإذا كان الزيت غير واضح أو له لون غير طبيعي، قد يكون مؤشراً على تلاعب.
6. البحث عن المصدر: شراء زيت الزيتون من مصادر موثوقة ومواقع معروفة يمكن أن يساعد في تقليل خطر الحصول على منتج مزيف.
7. الاهتمام بالسعر: أسعار الزيت الزيتون المتدنية جداً قد تكون إشارة إلى جودة غير ملائمة أو أصالة مشكوك فيها.
8. التواصل مع الخبراء: استشر خبراء في مجال الزيتون أو الطهاة أو المحترفين في صناعة الأطعمة للحصول على نصائح حول كيفية التعرف على زيت الزيتون الأصلي.
التحقق من هذه العلامات والمعايير يمكن أن يساعدك في تحديد ما إذا كان زيت الزيتون المتاح لديك أصلياً أم لا. ومع ذلك، قد تتطلب بعض الطرق الأكثر دقة التعاون مع مختبرات متخصصة لضمان أقصى درجات الأمان والثقة في المنتج.
لمكافحة هذه المافيا وحماية المستهلكين، تتطلب الأمور تشديد الرقابة وفرض عقوبات أشد على المخالفين، فضلاً عن تعزيز نظم التحقق والتدقيق لضمان جودة زيت الزيتون وصدق المنتجات المعروضة في الأسواق العالمية.
تعتبر التوعية أيضاً بأهمية الاختيار الصحيح والشراء من مصادر موثوقة وشركات معتمدة للحفاظ على جودة زيت الزيتون وضمان الحصول على المنتج الأصلي والصحي.