يُقدر علماء الفلك أن عمر الكون يبلغ 13.8 مليار سنة تقريباً، مع عدم تيقن من هذا الرقم بنسبة 1% فقط. ويأتي عدم اليقين هنا بسبب تمدد وتوسع الكون، إضافةً إلى نتائج بعض الاكتشافات بخصوص وجود نجوم أقدم من الكون نفسه.
وتوصل العلماء إلى هذا الرقم بعد أكثر من قرن من الجدل حول عمر الكون، بما في ذلك الفترة التي تحدث فيها كثيرون عن أن الكون قديم إلى ما لانهاية. لكن كيف يقدر العلماء عمر الكون المتسع والممتد والغامض من الأساس؟
وفقاً لموقع "لايف ساينس" (Live Science)، فإنه يمكننا تحديد عمر الكون إلى حد ما عن طريق تحليل الضوء والأنواع الأخرى من الإشعاع التي تنتقل من الفضاء السحيق. وكلما تحسن مستوى التلسكوبات المستخدمة في رصد الضوء والإشعاع تحسنت إجابة العلماء حول عمر الكون وأصبحت أكثر دقة بالطبع.
وجاء في موقع وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" (Nasa) أن علماء الفلك يقدرون عمر الكون بطريقتين مختلفتين:
أولاهما:
عن طريق البحث عن أقدم النجوم، إذ إن أبسط الطرق وأكثرها مباشرة لقياس عمر الكون تكون بالنظر جيداً إلى الأشياء الموجودة فيه وهي النجوم.
الطريقة الثانية:
هي قياس معدل تمدد الكون واستقراء العودة إلى الانفجار العظيم، مثلما يستطيع محققو الجرائم تتبع أصل الرصاصة من الفتحات الموجودة في الجدار.
بيانات عام 2020
في الوقت الحالي، يُعتقد أن عمر الكون يبلغ حوالي 13.8 مليار سنة. وقد تم تحديد هذه النتائج من قبل عدد من العلماء الذين أعلنوا توصلهم إليها عام 2020 بعد إعادة تقييم البيانات من "مركبة الفضاء بلانك" (Planck Spacecraft) التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، وتحليل البيانات من "تلسكوب أتاكاما لعلم الكونيات" (The Atacama Cosmology Telescope) في تشيلي.
ويُعد الرقم الجديد الذي تم التوصل إليه لعمر الكون عام 2020م أقدم بحوالي 100 مليون سنة من التقدير السابق الذي تم تحديده من خلال البيانات التي بثتها مركبة الفضاء بلانك عام 2013.
وتم التوصل إلى هذه البيانات الجديدة بناءً على المسح الذي قامت به كل من المركبة الفضائية والتلسكوب لـ"إشعاع الخلفية الكونية الميكروي" (Cosmic Microwave Background)، وهو وهج خافت من الضوء يملأ الكون، ويعتقد أنه من بقايا الضوء الصادر من الانفجار العظيم.
وقام العلماء بدمج تلك البيانات مع النماذج الحالية لقياس مدى سرعة ظهور أنواع مختلفة من المادة والأجرام السماوية بعد أن بدأ الكون في التشكل، ومن ثم تمكن العلماء من تقدير الفترة التي ترجع إلى حدوث الانفجار العظيم.
ويعتقد العلماء أن ضوء إشعاع الخلفية الميكروي ظهر بعد 400 ألف سنة من الانفجار العظيم، وأنه يحتوي على مؤشرات دقيقة لكيفية تشكل النجوم والمجرات الأولى، لذا فإنه من خلال قياس مدى بعد هذا الضوء المنتشر يحصل العلماء على تقدير لمدى عمر الكون.
لم يتم اكتشاف إشعاع الخلفية الكونية الميكروي حتى منتصف الستينيات، وهو عبارة عن أشعة كهرومغناطيسية تتخلل الكون بأكمله بالشدة والتوزيع أنفسهما، ولا يمكن تمييز مصدر معين أو ملموس لها.
الخلفية الكونية
عندما نشاهد السماء بالتلسكوب الضوئي، نرى مسافات واسعة بين النجوم والمجرات يغلب عليها السواد، وهذا ما يسميه العلماء الخلفية الكونية. لكن عندما نستخدم تلسكوباً راديوياً يستطيع رؤية الموجات الراديوية، فإنه سيصور لنا ضوءاً خافتاً يملأ تلك الخلفية. وهذه الأشعة لا تتغير من مكان إلى مكان، وإنما منتشرة بالتساوي في جميع أركان الكون.
ويمكن رؤية الأشعة الكونية على مسافة 13.8 مليار سنة ضوئية في جميع الاتجاهات من الأرض؛ مما دفع العلماء إلى تحديد أن هذا هو العمر الحقيقي للكون.
ومع ذلك، فهو ليس مؤشراً على المدى الحقيقي للكون، نظراً لأن الفضاء كان في حالة توسع منذ بداية الكون، كما أنه يتمدد بشكل أسرع من سرعة الضوء، ومن ثم فإن الأشعة الكونية هي مجرد أبعد وقت في الزمن يمكننا رؤيته.
وفي ما يتعلق بعمر الكون الأحدث الذي يبلغ 13.8 مليار سنة، فقد قاد سيمون أيولا، عالم الأبحاث في مركز الفيزياء الفلكية الحاسوبية في معهد "فلاتيرون" (Flatiron) بمدينة نيويورك، فريقا من العلماء الذين أعادوا فحص خرائط إشعاع الخلفية الكونية الميكروي باستخدام تلسكوب أتاكاما، وذلك وفقاً لدراستهم المنشورة في "جورنال أوف كوزمولوجي آند آستروبارتيكل فيزكس" (Journal of Cosmology and Astroparticle Physics) ديسمبر/كانون الأول 2020.
يقول أيولا إنه "على الرغم من أن هذه الخرائط تغطي منطقة أصغر من تلك التي أصدرها فريق بلانك، فإن الدقة المحسنة تسمح بقياسات أكثر دقة".
وحقق أيولا وزملاؤه اختراقاً علمياً من خلال قدرتهم على مراقبة إشعاع الخلفية الكونية الميكروي على نطاق أصغر من أي وقت مضى، وباستخدام تلسكوب أتاكاما شديد الحساسية، تمكنوا من رؤية العديد من التفاصيل عما حدث في الكون المبكر.
وبمقارنة هذه الخرائط عالية الدقة بالتنبؤات الحالية عن عمر الكون، توصل الفريق إلى عمر 13.8 مليار سنة.
أقدم النجوم
يذكر موقع "بيغ ثينك" (Big Think) أنه لا يمكن أن يكون الكون أصغر من أقدم نجومه؛ لذلك يقيس العلماء أعمار النجوم الأولى التي تشكلت في الكون للاسترشاد بها لمعرفة عمر الكون نفسه.
وتعتمد دورة حياة النجم على كتلته ومدى سرعة استهلاكها لوقودها النووي. فكلما زاد حجم النجم زادت سرعة حرقه لمخزون الوقود الخاص به، بينما تستهلك النجوم الصغيرة وقودها في مدة أطول، إذ تحترق أضخم النجوم وتنفجر بعد بضعة ملايين من السنين فقط، ويمكن لنجم كتلته مثل الشمس أن يستمر في دمج الهيدروجين نحو 10 مليارات سنة.
أما إذا كان النجم صغيراً جداً بكتلة لا تزيد على عُشر كتلة الشمس، فيمكنه الاستمرار في دمج الهيدروجين مدة تصل إلى مئات المليارات من السنين، أي أطول من عمر الكون الحالي البالغ 13.8 مليار سنة.
ولمعرفة عمر الكون، يدرس العلماء العناقيد النجمية الكروية، وهي مجموعة نجمية كثيفة تتكون من نحو مليون نجم تشكلت جميعها في الوقت نفسه تقريباً. وعن طريق تحديد كتل هذه النجوم يمكن للعلماء تقدير وقت تكوّن الكتلة الكروية.
وتوصل العلماء إلى أن أقدم العناقيد الكروية تحتوي على نجوم تقل كتلتها عن الشمس بمقدار 0.7، مما يشير إلى أن عمرها يتراوح بين 11 و18 مليار سنة.
تمدد الكون وثابت هابل
وفقاً لموقع "إنفيرس" (Inverse)، يُعرف معدل تمدد الكون باسم "ثابت هابل" (Hubble Constant) الذي يقدر بنحو 46 ألفاً و200 ميل (74 ألفاً و351.508 كيلومتراً) في الساعة لكل مليون سنة ضوئية.
وكان عالم الفلك الأميركي إدوين هابل قام بحساب "ثابت هابل" لأول مرة في عشرينيات القرن الماضي، وذلك بعد اكتشافه أن العديد من المجرات كانت تبتعد عن الأرض.
ولاحظ هابل أيضاً أنه كلما ابتعدت المجرة زادت سرعة تحركها بعيداً. وبناءً على ملاحظاته، تم التوصل إلى قانون هابل الذي أظهر ارتباطاً بين مدى بُعد الجسم والسرعة التي ينحسر بها. وباستخدام هذا القانون تمكن العلماء من تقدير معدل تمدد الكون.
وتمكن العلماء بعد ذلك من استخدام ثابت هابل لتقدير عمر الكون بالرجوع إلى الخلف، وصولاً إلى الانفجار العظيم. ويعتمد هذا الاستقراء على الكثافة الحالية للكون وتكوينه، مما يدل على تاريخ توسع الكون.
وعام 2012، استخدم "مسبار ويلكينسون التابع لوكالة ناسا" (NASA’s Wilkinson Microwave Anisotropy Probe) تلك البيانات لتقدير عمر الكون بنحو 13.772 مليار سنة مع 59 مليون سنة زيادة أو نقصان. وبعد عام، قدرت مركبة الفضاء بلانك عمر الكون بنحو 13.82 مليار سنة.
الجدير بالذكر أن الانفجار العظيم لم يكن انفجاراً حقيقياً، بل كان يعني بدء الفضاء في التوسع للخارج في جميع الاتجاهات في وقت واحد، فالانفجار العظيم هو "لحظة من الزمن وليس نقطة في الفضاء". وعلى الرغم من أن نموذج الانفجار العظيم ينص على أن الكون كان نقطة صغيرة لا متناهية من الكثافة اللانهائية، فهذه مجرد طريقة للقول إننا لا نعرف تماماً ما كان يحدث في ذلك الوقت. اللانهائيات الرياضية لا معنى لها في معادلات الفيزياء، لذا فإن الانفجار العظيم هو حقا النقطة التي ينهار عندها فهمنا الحالي للكون.
المصدر : الجزيرة نت