من المتوقع أن تعلن وزارة الطاقة الأمريكية عن حدث طال انتظاره في مجال تطوير طاقة الاندماج النووي، وهو قدرة العلماء على تحقيق "صافي طاقة مكتسبة".
ويمكن لهذه الأخبار، التي نشرتها صحيفة فاينانشال تايمز لأول مرة وأكدتها صحيفة واشنطن بوست، أن تحفز مجتمع الطاقة الاندماجية، الذي طالما روج لهذه التكنولوجيا كأداة محتملة لتوليد الطاقة النظيفة لمكافحة تغير المناخ.
ولكن، بالنسبة لغير المهتمين بالفيزياء، ماذا يعني مصطلح "صافي الطاقة المكتسبة" وماذا يعني ذلك بالنسبة لمحطات توليد الطاقة الاندماجية المستقبلية؟
طاقة الاندماج
تعمل محطات الطاقة النووية الحالية من خلال الانشطار – وهو تقسيم الذرات الثقيلة لتوليد الطاقة.
وخلال الانشطار، يصطدم النيوترون بذرة يورانيوم ثقيلة، ويقسمها إلى ذرات أخف ويطلق الكثير من الحرارة والطاقة في نفس الوقت.
من ناحية أخرى، يعمل الاندماج في الاتجاه المعاكس - فهو ينطوي على سحق ذرتين (غالباً ذرتي هيدروجين) معاً لإنشاء عنصر جديد (غالباً الهيليوم) بنفس الطريقة التي تولد بها النجوم الطاقة.
في هذه العملية، تفقد ذرتا الهيدروجين كمية صغيرة من الكتلة، والتي يتم تحويلها إلى طاقة، ونظراً لأن سرعة الضوء التي تجري بها العملية كبيرة جداً، فحتى كمية صغيرة من الكتلة المفقودة يمكن أن تؤدي إلى كم كبير من الطاقة.
ما هو "صافي الطاقة المكتسبة"؟
تمكن الباحثون من قبل من دمج ذرتي هيدروجين معاً بنجاح، ولكن الأمر كان يتطلب دائماً طاقة أكبر للقيام بالتفاعل مقارنة بالطاقة الناتجة عنه.
الآن من المتوقع أن يعلن الباحثون في مرفق الإشعال الوطني في مختبر لورانس ليفرمور الوطني في كاليفورنيا أنهم حققوا مكاسب صافية للطاقة عن طريق إطلاق أشعة الليزر على ذرات الهيدروجين، ما يعني أن الطاقة الناتجة عن التفاعل أكبر بكثير من الطاقة الناتجة عنه.
وتضغط أشعة الليزر البالغ عددها 192 ذرات الهيدروجين إلى حوالي 100 ضعف كثافة الرصاص وتسخنها إلى حوالي 100 مليون درجة مئوية.
وتتسبب الكثافة العالية ودرجة الحرارة في اندماج الذرات وتكوين الهيليوم.
وقالت الباحثة ميلاني ويندريدج، وهي عالمة فيزياء بلازما والرئيس التنفيذي لشركة Fusion Energy Insights إنه "إذا كان هذا ما نتوقعه ، فهو مثل لحظة اقلاع طائرة الأخوين رايت" في إشارة إلى لحظة تغير مفصلية للتكنولوجيا.
هل هذا يعني أن طاقة الاندماج جاهزة للاستخدام؟
لا.. يُشير العلماء إلى الاختراق الحالي باسم "اكتساب الطاقة الصافية العلمي" - مما يعني أن المزيد من الطاقة قد خرجت من التفاعل أكثر مما تم إدخاله بواسطة الليزر.
أي أن كسب الطاقة تحقق فقط باحتساب طاقة الليزر المستخدم في العملية، وليس كل التحضيرات المرتبطة بها.
ويحتاج العلماء والمهندسون الآن إلى التفكير بإنتاج الطاقة على مستوى ضخم لقياس "أرباح الطاقة" المتوقعة الناتجة عن العملية.
لذلك لا يزال يتعين على الباحثين الوصول إلى "هندسة صافي كسب الطاقة"، أو النقطة التي تستهلك فيها العملية بأكملها طاقة أقل من ناتج عن التفاعل.
وسيتعين عليهم أيضاً معرفة كيفية تحويل الطاقة الناتجة -حالياً في شكل طاقة حركية من نواة الهيليوم والنيوترون- إلى شكل قابل للاستخدام للكهرباء.
ويمكنهم القيام بذلك عن طريق تحويله إلى حرارة، ثم تسخين البخار لتشغيل التوربينات وتشغيل المولد.
وفي الوقت الحالي، يمكن للباحثين أيضاً إجراء تفاعل الاندماج مرة واحدة فقط في اليوم. بينهما، يتعين عليهم السماح لأشعة الليزر بأن تبرد واستبدال ذرات الاندماج.
ولكي تكون العملية ناجحة تجارياً يجب أن يستطيع العلماء القيام بالعملية عدة مرات في الثانية الواحدة.
ما هي فوائد الاندماج؟
هذه التكنولوجيا أكثر أماناً من الانشطار النووي، لأن الاندماج لا يمكن أن يخلق تفاعلات جامحة أو يسبب خطر كوارث كبيرة، كما أنه لا ينتج منتجات ثانوية مشعة تحتاج إلى تخزينها بأمان، أو انبعاثات كربونية ضارة.
إنه ببساطة ينتج الهيليوم الخامل والنيوترون.
ومن غير المحتمل أن ينفد الوقود إذ أن وقود الاندماج هو مجرد ذرات هيدروجين ثقيلة يمكن العثور عليها في مياه البحر.
متى يمكن للاندماج أن يمد منازلنا بالطاقة؟
على مر السنين، توقع الباحثون بشكل مختلف أن محطات الاندماج ستعمل في التسعينات، ثم مددوا الوقت عشر أعوام لاحقة كل مرة.
يجادل خبراء الاندماج الحاليون بأنها ليست مسألة وقت ، ولكنها مسألة إرادة - إذا قامت الحكومات والجهات المانحة الخاصة بتمويل الاندماج بقوة، كما يقولون، فقد يكون النموذج الأولي لمحطة توليد الطاقة الاندماجية متاحاً في عام 2030.
تجارب في دول أخرى
في المملكة المتحدة، يعمل العلماء باستخدام آلة ضخمة على شكل كعكة دونات مزودة بمغناطيسات عملاقة تسمى توكاماك لمحاولة الحصول على نفس النتيجة، وفقا لـ CNN
وبعد حقن كمية صغيرة من الوقود في التوكاماك ، يتم تنشيط مغناطيسات عملاقة لتكوين البلازما.
يجب أن تصل درجة حرارة البلازما إلى 150 مليون درجة مئوية على الأقل، أي 10 مرات أكثر سخونة من لب الشمس.
وهذا يجبر الجزيئات من الوقود على الاندماج، ومع الاندماج النووي، يكون للمنتج المصهور كتلة أقل من الذرات الأصلية، حيث تتحول الكتلة المفقودة إلى كمية هائلة من الطاقة.
ثم تضرب النيوترونات، القادرة على الهروب من البلازما، "بطانة" تبطن جدران التوكاماك، وتنتقل طاقتها الحركية على شكل حرارة.
ويمكن بعد ذلك استخدام هذه الحرارة لتسخين المياه، وتوليد البخار وتوربينات الطاقة لتوليد الطاقة.
في العام الماضي، تمكن العلماء الذين يعملون بالقرب من أكسفورد من توليد كمية قياسية من الطاقة المستدامة. ومع ذلك، فقد استمرت 5 ثوان فقط.
وسواء كان ذلك باستخدام المغناطيس أو إطلاق الكريات بالليزر، فإن النتيجة هي نفسها في النهاية: الحرارة التي يتم الحفاظ عليها من خلال عملية دمج الذرات معاً هي المفتاح للمساعدة في إنتاج الطاقة.
المصدر: الحرة