«إن الكلمات هي أفضل ما نملك من وسائل لدفع الناس إلى العمل، فيمكن للكلمات التي ننطق بها أن تغرس الإقدام في النفوس وأن تؤجج المشاعر، ويمكنها إطاحة المبادئ البالية، وإنارة آفاق جديدة، عندما تعرف كيف ترتبط بجمهورك بصدق». خبير الإدارة الأمريكي غاري هاميل
ينظر الكثيرون إلى إعداد الخطب وإلقائها على أنها عملية صعبة ومحفوفة بالمخاطر، وهناك دراسة متداولة تؤكد أن بعض المديرين يفضلون الموت على إلقاء الخطب، وهذا يفسر سبب تأجيلهم إعداد الخطب أو تكليف شخص آخر بالمهمة.
وإذا كانت الخطابة تعتبر أمراً شاقاً على من يقومون بالإلقاء، فإنها لا تقل مشقةً على جمهور المستمعين، وحتى أؤكد لك ذلك دعني أسألك عن عدد الخطب التي ذهبت لحضورها، وبدأ تفكيرك يشرد بعد دقائق فقط من بدايتها؟ وكانت النتيجة التي خرجت بها تكاد تكون معدومة، وحتى تتحاشى الوقوع في نفس الفخ الذي وقع فيه ذلك المحاضر، سنعرفك في هذا التقرير بقواعد عملية تضمن لك إلقاء خطبة متميزة.
اقهر مشاعر الخوف
ما هي المشاعر التي تسيطر عليك قبل إلقاء الخطبة؟ هل تشعر بالانفعال؟ إذا أحسست بالقلق فلا بأس في ذلك، لأنك بحاجة إلى الأدرينالين الذي يوفر لك الطاقة والجاذبية الجماهيرية الضروريتين لإلقاء خطبة ناجحة، أما إذا انتابك شعور بالخوف فلن يكون ذلك في صالحك، لذلك سأقدم لك بعض الملاحظات المفيدة التي تبعدك عن مشاعر الخوف تماماً :
1- ادرس موضوع الخطبة بعناية :
ثمة سبب شائع للتوجس من إلقاء الخطبة، وهو الخوف من أن تتعرض إلى الظهور بمظهر العاجز عن تقديم الجواب، أو بمظهر الجاهل أمام شخص من أفراد الجمهور يفوقك معرفة، إذاً ينبغي أن تبدأ في بذل الجهود الهادفة إلى التخفيف من شعور الخوف قبل وقت طويل من موعد الخطبة الفعلي، عن طريق دراسة الموضوع بعمق، والتخطيط المسبق لما تنوي قوله، والتمرن عليه مما سيزيد من شعورك بالراحة.
2- قبل أن تتمرن.. حاول أن تكتب الخطبة كاملةً :
يغشى إحساس بالخوف نفوس كثيرين من أن ينسوا في لحظة محددة إلى أين وصلوا في الخطبة والشعور بأنهم لا يتذكرون أي شيء، ويمكن التغلب على ذلك عند إعداد الملاحظات المتعلقة بمضمون الخطبة بجعلها مفصلة وكافية، فلا يؤدي إحساسك بالخوف إلى شل تفكيرك، وإذا كان ذلك يعني لك كتابة الخطبة كلها فاكتبها، قد تفقد بعض العفوية عند الإلقاء، ولكنك ستتخلص من الشعور بالخوف.
3- تحكم في طريقة تنفسك :
إن التنفس هو بداية كل شيء، فإذا كنت تشعر بالخوف ستسحب أنفاساً قصيرة، ومن سوء الحظ أن النفس القصير هو علامة الخوف عند الكثيرين منا، وهنا ندخل في حلقة مفرغة، تفضي بنا إلى الشعور بخوفٍ متزايد، والطريقة الصحيحة لتصحيح الوضع هو أن تتنفس بشكل صحيح عن طريق استخدام عضلات الحجاب الحاجز، وهي العضلات الداعمة للصدر، وذلك لتوسيع الرئتين عند الشهيق، وقبضها عند الزفير.
4- تعلم كيف تتريث قبل أن تباشر الكلام :
إن كثيرين من الخطباء الذين يشعرون بالقلق يكشفون عن مشاعرهم عندما يندفعون في الكلام بسرعة، لحظة تقديمهم إلى الجمهور دون أن يتريثوا لحظة لالتقاط أنفاسهم، إلى أن يفرغوا من إلقاء الخطبة، وتكون النتيجة السيئة لهذا التصرف البائس أن أفراد الجمهور يجدون صعوبة في استيعاب ما تقول، إلى الحد الذي يجعلهم يستسلمون ويتوقفون عن متابعتك، وحالما تشعر أنت بانصرافهم عنك تبدأ في تدمير نفسك، وهكذا تكتمل الدائرة الجهنمية.
وعوضاً عن ذلك ينبغي قُبيل البدء في الكلام أن تتريث برهة إلى أن يسود الصمت والانتباه، ويمكنك أن تأخذ نفساً طويلاً، بعد ذلك ابدأ الخطبة بكل ثقة وتركيز.
5- قبل أن تبدأ الكلام ركز على الجمهور :
هناك أسلوب فعال إلى حد يثير الدهشة يساعد في التغلب على التوتر العصبي الذي يسبق الخطبة، وهو التركيز على بعض أفراد الجمهور، بإمعان النظر فيهم، وتأمل كل شيء فيهم: شعرهم، عيونهم، ذقونهم، والترديد سرًّا: «هذا شخص لا يبعث على الخوف، ويمكنني أن أقول له ما أود قوله بكل بساطة»، إذا فعلت ذلك بدرجة كافية من التركيز ستنسى شعورك بالتوتر العصبي، كما أنك تكون قد بدأت في الواجب الأهم، وهو التواصل مع أفراد الجمهور.
تعرف إلى الحضور قبل أن تقابلهم
قبل إلقائك للخطبة أنت بحاجة إلى قضاء بعض الوقت في التفكير بشكل جاد في الجمهور نفسه، والإجابة بشكل دقيق عن سؤال: من هم أفراد الجمهور؟ وماذا يريدون؟ فالخطب العظيمة هي رحلات عاطفية وذهنية على حدٍّ سواء، ولن تستطيع أن تصحب جمهورك في تلك الرحلة، ما لم تكن مُدركاً لآماله ومخاوفه ودوافعه.
ويمكنك الحصول على تلك المعلومات عن طريق الشخص الذي قمت بالتنسيق معه لإلقاء الخطبة، أو بجمع بعض المعلومات عن طريق الإنترنت للإجابة عن أسئلة أكثر دقة مثل :
– ما هو معدل أعمار أفراد الجمهور؟
– ما هي التركيبة الاجتماعية- الاقتصادية لهؤلاء الأفراد.
– ما هو الاختلاف بينك وبين الجمهور؟
– ما هي الأمور المشتركة بينك وبينهم؟
– هل تلقوا مؤخراً أنباء سيئة؟ أم أنباء سعيدة؟
يحمل كل سؤال من الأسئلة السابقة، إجابة تساعدك في صياغة خطابك بشكل أفضل، حيث يجب عليك أن تتحدث بأسلوب يناسب معدل أعمار أفراد الجمهور، ولكن دون أن تنزل إلى مستوى لا يناسب مستوى الأحداث، كما ينبغي عليك أن تأخذ في الاعتبار الأمور المشتركة بينك، وبين مجموعة جاءت من خلفية اجتماعية- اقتصادية تختلف إلى حدٍّ كبيرٍ عن الخلفية التي جئت أنت منها.
اصنع عبارة مُحَفزة تميزك
ضع في اعتبارك أن الجمهور لا يتذكر سوى 10- 30% مما سيسمعه في خطبتك، وإذا اعتبرنا الخطبة عملاً يهدف إلى الإقناع، فإن ذلك يستتبع بالضرورة أن نكون شديدي الوضوح فيما نحاول إقناع الجمهور به، وأفضل الطرق للوصول إلى ذلك هي العبارة المُحفزة، والتي تتكون من جملةٍ واحدة توضح السبب الرئيسي لإلقائك الخطبة، وفقاً لما يراه الجمهور.
ومن أهم النماذج للعبارات المُحفزة عندما ألقى الرئيس الأمريكي الأسبق جون كنيدي خطبته الافتتاحية، والتي قال فيها لمواطنيه: «لا تسألوا ماذا يمكن لبلدكم أن يقدم إليكم، بل اسألوا ماذا يمكن أن تقدموا إلى بلدكم». فالعبارة المحفزة في هذه الخطبة يمكن أن تكون كالتالي: «يمكننا سويًّا، أنتم وأنا، أن نحارب العدوان السوفيتي بدفاع قوي واقتصاد متين».
وبعد تحديدك للعبارة المُحفزة في خطبتك استخدمها كدليل يرشدك طوال عملية إعداد المضمون، وعليك أن تحذف كل ما ليس له علاقة بتلك العبارة، مهما بدا لك مثيراً، فإذا كانت المعلومة لا تدعم المفهوم الأساسي فهي إذاً لا تنتمي إلى خطبتك.
الخطباء المبدعون يصغون إلى جمهورهم
لكي تصبح خطيباً ناجحاً وقادراً على إيجاد رابطة قوية مع الجمهور، ودفعه إلى العمل يجب عليك أن تصغي إلى جمهورك بإمعان، وأن تبتعد عن الأسلوب الخطابي الذي يشبه المدرسين، فلا قيمة لخطبتك إذا لم يسمعها الجمهور، ولن تتمكن من أن تعرف إذا كان إعداد الخطبة مضيعة للوقت أم لا، إلا إذا أصغيت إلى جمهورك.
ويمكنك تطبيق ذلك عمليًّا بالبعد عن تفكيرك في التركيز على الذات الذي يجعل منك فريسةً للقلق والتحفز والنظر إلى أفراد الجمهور وملاحظة: هل ينظرون إليك أم إلى النافذة؟ هل يستجيبون للطرف والنوادر التي تلقيها، أم أنهم يجلسون دون حراك؟ باختصار ما هي حالتهم العاطفية والذهنية؟ يجب عليك معرفة ذلك حتى تعرف كيف تصوغ خطبتك فتترك أبلغ الأثر.
لماذا لا تجعل الجمهور يشاركك فيما تقول؟
هناك الكثير من الأساليب التي يمكن اللجوء إليها للتأثير في الجمهور وجعله يندمج في الخطبة، ومن أهمها :
التعليم : ادفع أفراد الجمهور لاختبار ما تعلموه على أشخاص آخرين، أو اجعلهم يتعهدون بشيء محدد أمام من حولهم، مثل الالتزام بسلوك جديد، أو تحقيق بعض الأهداف طويلة الأمد.
رواية قصة : يمكنك جعل جمهورك يقوم بدمج قصصهم الخاصة بشكل يتناسب مع مضمون الخطبة، عن طريق تقسيم الجمهور إلى مجموعات صغيرة، ودفعهم إلى رواية قصصهم لبعضهم البعض، ثم تجمع تلك القصص ضمن تركيبة معينة لإعادة روايتها للمجموعة.
اللعب : لجعل مغزى الحديث أكثر قرباً من جمهورك، اقترح عليهم أن يتنافسوا فيما بينهم في الإجابة على بعض الأسئلة، أو اللعب بطريقة معينة، إما كأفراد وإما ضمن مجموعات صغيرة.
لكل حركة في جسمك معنى
تقع الحركات المرافقة للخطبة من حيث الأهمية في المرتبة التالية بعد المضمون، لذلك ينبغي عليك الدقة في توظيفها، ومن أبرز الحركات التي يمكنك استخدامها :
الإيماءة
تتمتع إيماءة الرأس بتأثير مزدوج وأكثر فعالية عند الجمهور، فإيماءة الرأس هي أسلوب ناجح للتحقق من أن أفراد الجمهور يتابعون حديثك، فإذا أومأت برأسك أجابك كثيرون بإيماءة مشابهة، وبخاصة إذا كنت في الوقت نفسه تركز نظرك عليهم.
بسط اليد
تؤدي هذه الحركة إلى بناء جسور الثقة لأسباب قد تعود بعيداً إلى عهد أجدادنا البدائيين، فعندما كان هؤلاء يقابلون غرباء لا بد وأنهم كانوا يرغبون في معرفة ما إذا كانوا يخفون سلاحاً، ويبدو أن المصافحة انطلقت من هذه الفكرة؛ حيث إن راحة اليد المبسوطة توحي بالانفتاح وتنمي شعور الثقة.
رفع الحاجبين
تعد حركة رفع الحاجبين غير واعية إلى حد كبير، وهي تنبئ بالانفتاح وتقبل الآخرين والترحيب بالاستجابة، وتدعو هذه الحركة الجمهور إلى المشاركة.
وأما بالنسبة للوقفات فهناك ثلاثة أنواع، لكل منها استخدام مختلف، وهي :
وقفة الرأس
نرى فيها أن الرأس يكون هو الجزء البارز إلى الأمام إذا ما نظرنا إلى الجسم نظرة جانبية، وهي وقفة المفكرين، ويعرفها البعض على أنها وقفة الأستاذ، وتصلح هذه الوقفة للتأثير في الجمهور إذا كنت ترغب في الهيمنة عليه.
الوقفة الحوضية
وفي هذه الوقفة يبرز الوركان، ويمكنك تمييزها عن طريق طلبك من أحد أصدقائك أن ينظر إليك نظرة جانبية، فإذا كان وركاك بارزين إلى الأمام صحح وقفتك، لأن هذه الوقفة تعتبر مناسبة للعشاق ونجوم موسيقى الروك، لكنها لا تناسب الخطباء في المناسبات الجدية، وبرغم ذلك نرى أشخاصاً كثيرين يقفون هذه الوقفة من غير أن يعوا ذلك.
وقفة القلب
وتتميز بعمود فقري مستقيم وبكتفين مسترخيين بينما يبرز الصدر إلى الأمام باتجاه الجمهور، ويمكنك أن تتخيلها أشبه بوقفة الجندي ولكن من غير توتر، تخيل نفسك معلقاً بخيط مربوط إلى أعلى رأسك فيكون ظهرك مستقيماً، بينما يظل الجزء الأعظم مما تبقى من الجسم مرناً من غير تصلب، وهي وقفة ملائمة للشخصيات القيادية، فهي توحي للجمهور بالانفتاح والثقة.
المصدر : ساسة بوست