لطالما عُدَّت الترجمة وظيفة تتفوق فيها لمسة البشر السحرية على الآلة، لكن الظاهر أن الحال تغيّر، فمؤخراً تخطى مترجم مايكروسوفت الذكي تحدياً من أصعب تحدياته: الترجمة من الصينية إلى الإنجليزية بدقة تكافئ دقة مترجم بشري ثنائي اللغة.
معلوم أن الصينية لغة شديدة الصعوبة، إذ يَلزم غير الناطقين بها سنوات عديدة لمجرد تعلم الحروف -البالغ عددها 3,000- اللازمة لقراءة الصحف؛ ولم ينتج عن محاولات الترجمة الآلية السابقة إلا إضحاك الناس، فعبارة «طفاية حريق» مثلاً صارت «قنبلة يدوية،» وفي بعض المطاعم صارت القوائم تحوي أكْلة اسمها «أيّاً يكن»!
قال ديفيد مُوزر، وهو عالم لغويات، لصحيفة لوس أنجلوس تايمز «بين الكتابة والتحدث والاستماع في اللغات الألِفْبائية ما يُدعى حلقة حميدة، فهذه المهارات الثلاث تمثِّل في تلك اللغات مهارة واحدة مركَّبة؛ أما الصينية فمشكلتها أنها لا تمتاز بهذه الحلقة، فتعلُّم التحدث بها لا يساعدك على تعلم القراءة، وتعلم القراءة كذلك لا يساعدك على تعلم الكتابة؛» أي إنها مهارات مختلفة يجب إتقانها بصورة منفصلة عند تعلم الصينية.
وبعد أعوام من السعي إلى ما بدا من قبل مستحيلاً، نجح مهندسو مايكروسوفت أخيراً في بلوغ ما يُدعى «التكافؤ مع البشر» في ترجمة عيّنة إخبارية من الصينية إلى الإنجليزية، وكانت هذه العينة مكوَّنة من 2000 جملة من الصحف الإلكترونية؛ ولم يقارنوا الترجمة الآلية بالترجمة البشرية الاحترافية وحسب، بل عيّنوا لذلك أيضاً استشاريين مستقِلين متخصصين في هذا المجال.
قال زُودونج هُوانج، وهو مسؤول في مايكروسوفت عن قسم الحديث واللغات الطبيعية والترجمة الآلية في مدونة الشركة «بلوغ التكافؤ مع البشر في الترجمة الآلية حلم حلمنا به كلنا، لكن لم يخطر ببالنا أننا سنحققه بهذه السرعة.»
لا ريب في صعوبة تعليم الأنظمة البرمجية ترجمة اللغات، فقد يكون للكلمة الواحدة ترجمتان مختلفتان، وكل ترجمة تبدو صحيحة؛ وفوق هذا يختار الناس كلمات مختلفة بحسب السياق والمزاج ومَن يحادثونهم؛ وعن هذا قال مِينج تشو مساعد المدير العام في مركز أبحاث مايكروسوفت في آسيا، إن «الترجمة الآلية أشد تعقيداً من مجرد تعرُّف أنماط الكلام؛ فالناس يستخدمون كلمات مختلفة للتعبير عن المعنى ذاته، لكن لا يسعك دائماً تحديد أي تلك الكلمات أفضل.»
وقال إن الخطوة المقبلة ستكون: اختبار قدرة ذلك المترجم الذكي على ترجمة المقالات الإخبارية مباشرة في وقت نشرها.
المصدر: مرصد المستقبل