منذ العام التاسع للهجرة تتوافد سنوياً جموع غفيرة من حجاج بيت الله الحرام من شتى أنحاء العالم لأداء الفريضة الخامسة في مكة المكرمة.
لكن شهد العالم الإسلامي ظروفاً صعبة حُرم فيها المسلمون من الذهاب للحج خوفاً من مشاق الطريق في مواسم معينة أو أثناء سيطرة القرامطة على البيت العتيق الذين عطلوا تلك الفريضة عدة سنوات.
ورغم أن الحج فرض على كلّ مسلم بالغ عاقل قادر عل أدائه، فإنه لم يتحقق في بعض المواسم بسبب فقدان الأمن أو خوف الأوبئة والأمراض، أو صعوبة الطريق والغلاء الشديد، وفي بعض هذه الحالات غابت وفود أقطار العالم الإسلامي عن شهود المناسك وكان الحجاج قليلين للغاية.
القرامطة
بداية القرن العاشر الميلادي أغار قرامطة شرق الجزيرة العربية من أتباع حمدان القرمطي على مكة المكرمة، وصدرت فتاوى من علماء مسلمين لحث المسلمين على تعطيل الحج حماية للأرواح، وبالفعل ألغى حجاج الشام والعراق قوافلهم إلى مكة.
وكان القرامطة عام 317هـ الموافق لـ 908م قد هجموا على موسم الحج وقتلوا ما يُقارب 30 ألف من الحجاج وخلعوا باب الكعبة.
كما قام القرامطة بعدها بسلب كسوة الكعبة واقتلعوا الحجر الأسود من مكانه، وحملوه معهم إلى شرق الجزيرة العربية إلى مدينة هجر التي تقع في البحرين، ليبقى الحجر الأسود في حوزتهم وليتوقف الحج بعدها لقرابة العشرسنين.
ووصف ابن كثير في الجزء 11 من كتابه "البداية والنهاية" تلك الأحداث، ونقل أن أبو طاهر الجنابي القرمطي زعيم القرامطة وملك البحرين أمر بأن يقلع الحجر الأسود فضربه أحد رجاله بمثقل في يده مستهزئاً بالحجاج والمسلمين قائلاً "أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل" وعاد به القرمطي لبلاده ورجاه أمير مكة أن يعيده فلم يستجب له وقتله وأهله وقفل عائداً مع الحجر وأموال الحجاج.
وأدت النزاعات الداخلية بين القرامطة إلى إضعاف دولتهم، وتخلت عنهم القبائل التي تحالفت معهم نكاية بالعباسيين، وهزموا في حربهم مع العيونيين الذين أخرجوهم من شرق الجزيرة العربية بدعم من الخليفة العباسي والسلطان السلجوقي، فانتهت حقبتهم بعد قرابة قرن ونصف القرن من الاضطرابات الدموية بالجزيرة العربية.
الأوبئة
1- الطاعون
سنة 357 هجرية، انتشر داء الطاعون في مكة فمات به الكثير من الناس، وفيها ماتت جِمال الحجيج في الطريق من العطش، ولم يصل منهم إلى مكة إلا القليل، بل مات أكثر من وصل منهم بعد الحج.
2- الكوليرا
بدأ أول وباء كوليرا في القرن التاسع عشر الميلادي في الفترة بين عامي (1817-1824م) وعرف باسم "كوليرا آسيوية" واندلع من مدينة كلكتا الهندية لينتشر في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا إلى الشرق الأوسط وشرق أفريقيا وساحل البحر المتوسط.
وفي حين أن الكوليرا انتشرت في الهند عدة مرات من قبل، إلا أن تفشي المرض في تلك الحقبة ذهب أبعد من ذلك ليصل إلى الصين والبحر الأبيض المتوسط قبل أن ينحسر، بعد أن خلف مئات الآلاف من الموتى بما في ذلك العديد من الجنود البريطانيين.
وفي هذه الفترة مات آلاف من الحجاج بالوباء، الذي انتقلت عدواه من بؤرته الأساسية في شرق وجنوب آسيا، إلى طرق الحج ومكة، وفي عام 1831م الموافق 1246هـ تفشى الوباء الآتي من الهند مجددا ليحصد أرواح العديد من الحجاج.
وشهدت مواسم الحج حتى عام 1840 مواسم متقطعة لتفشي الوباء، وكذلك في الفترة من عام 1846 إلى عام 1850م.
وضمن ما سمي "وباء الكوليرا الرابع" بالقرن التاسع عشر تفشى الوباء من جديد وفي السنة الأولى له 1863م التي توافق 1280هـ ذهب عشرات الآلاف ضحية الوباء الذي اجتاح الحجاز وأنحاء الشرق الأوسط، وانتقل لروسيا وأوروبا وأفريقيا ليحصد مزيدا من الأرواح خاصة في زنجبار شرق أفريقيا، وبعد عدة سنوات فقط أصبحت بؤر الكوليرا شائعة في مدن أوروبا وروسيا وحتى أميركا الشمالية..
فقدان الأمن
1- قُطّاع الطرق
عام 1757م أغار قطّاع الطرق من بدو قبائل شمال غرب الجزيرة العربية على قافلة الحج الشامي التي تتكون من المسلمين القادمين من أوروبا وإسطنبول والأناضول والأعاجم القادمين من بلاد فارس والرافدين وكذلك مسلمي حلب والشام، وقتلوا الآلاف من حجاج القافلة بالقرب من تبوك.
وكانت القبائل البدوية في شمال الحجاز تتلقى مبلغاً سنوياً من المال من أمراء الحج بأمر الدولة العثمانية، ويدفع لتأمين القافلة في رحلتي الذهاب والعودة. لكن بعض الأمراء كانوا يرفضون تسليم الصرة طمعاً في المال فتتعرض القافلة لهجمات المغيرين وقطاع الطرق، وتنجح بعضها في نهب الحجاج وتفشل أخرى وتهزم على يد حامية القافلة.
وبينما تحركت قافلة الحجاج في طريق العودة عبر "الطريق السلطاني" تعرضت لهجوم من قبائل بدوية وحوصرت في تبوك أكثر من ثلاثة أسابيع، قبل أن يتم مهاجمة القافلة الشامية ويُقتل معظم العساكر والحجاج من الرجال والنساء.
2- الحملة الفرنسية
توقف شهده موسم الحج عام 1213 هجري، وذلك بسبب "الحملة الفرنسية" القائمة آنذاك، والتي تسببت بانعدام الأمان على الطريق المؤدي إلى مكة.
3- نزاعات
وفى أحداث سنة 492 هجرية حل بالمسلمين ارتباك وفقدان للأمن فى أنحاء دولتهم الكبيرة بسبب النزاع المستشرى بين ملوكهم، وقبل سقوط القدس فى يد الصليبيين بخمس سنوات فقط لم يحج أحد لاختلاف السلاطين.
الحرب
توثق المصادر وقوع أحداث بسبب الاشتغال بحرب القائد الزنكي أسد الدين شيركوه، وبعد ذلك لم يحج أحد من سائر الأقطار ما عدا الحجاز من سنة 654 إلى سنة 658 هجرية.
الظروف الطبيعية
تسببت الظروف الجوية مثل الفيضانات والكوارث الطبيعية في تعطل رحلات الحج من بعض البلدان، فقد أدى فيضان دجلة لتعطل قوافل الحج من بغداد في أحد مواسم القرن الخامس الهجري، بينما أدت أمراض الصحراء الأفريقية إلى تعطل قوافل الحج من غرب أفريقيا.
كما اجتاحت الأمطار الغزيرة والسيول العنيفة مكة المكرمة في العام 1941، ليغرق الحرم وسط السيول، وكادت المياه تصل حتى باب الكعبة نفسه، ومُنع الناس من الطواف فيها، إلا أن بعض الناس قاموا بالنزول والسباحة بهدف الطواف حول البيت العتيق، وسُمي هذا العام بعام السيل.
المصدر : مواقع أخبارية