سحابة المطر المتوسّطة قد تزن مئات الأطنان، ومع ذلك، فهي تحوم فوقنا على ارتفاعات عالية. كيف يمكن لمثل هذه الكميّة من الماء السائل أن تبقى في الهواء؟
معظمنا يعتبر السّحب أمراً بديهيّاً. إنَّها تقف منتصبةً في أعالي السّماء، بيضاء صافية تتكوّن من قطرات الماء، فقط - التي تعتبرمادّة ثقيلة نسبياً - لكنّنا لم نرَها تسقط أبداً .
وزن السّحب هائل
وفقاً لحسابات أجرتها هيئة المسح الجيولوجيّ الأمريكيّة، فإنّ سحابة ركاميّة متوسّطة، على هيئة زهرة القرنبيط، تحتوي على حوالي نصف مليون لتر من الماء السائل، وتزن حوالي 500 طن. هذا الوزن الهائل يضاهي وزن 300 سيّارة متوسّطة تقريباً . إذا كان الأمر كذلك، كيف تبقى السّحب حائمة في الهواء؟
تبدأ عمليّة تكوين السّحابة بأشعّة الشّمس التّي تُدَفِّئ سطح الأرض وسطح المجمّعات المائيّة الكبيرة، كالمحيطات والبحيرات. بفعلِ الحرارة، يتبخّر الماء فيمتلئ الهواء الذي فوقه بالبخار. هذا الهواء الدّافئ الّذي يلامس الأرض ومجمّعات المياه هو أقلّ كثافة من الهواء البارد الذي فوقه، لذلك، يرتفع من خلاله إلى أعالي الغلاف الجّوّيّ على شكل "عمود هواء دافئ" يسمّى، أيضاً، حملاً حراريّاً.
الحقيقة الأخرى الّتي تؤدّي إلى صعود الهواء الرطب عبر هواء أكثر جفافاً هي الوزن النّوعيّ لبخار الماء نفسه. وزن بخار الماء أقلّ من معظم غازات الهواء الأخرى، لذلك، فإن الهواء الذي يحتوي على الكثير من بخار الماء يكون أخفّ من الهواء الجافّ.
من بخار إلى سائل
عندما يصعد الهواء الدّافئ إلى ارتفاع معيَّن، يبتعد عن مصدر الحرارة (سطح الأرض أو المجمّعات المائيّة) ويبرد تدريجيّاً.
الهواء البارد قادر على حمل بخار ماء أقل (أي الماء في حالته الغازيّة)، بالمُقارنة مع الهواء السّاخن. عندما يصبح الهواء بارداً بدرجة كافية، يصل بخار الماء فيه إلى نقطة النّدى، التي تسمّى، أيضاً، نقطة التشبّع أو درجة التّكثّف، وهي عبارة عن درجة الحرارة الّتي لا يستطيع الهواء بعدها أن يحمل بخار الماء، فيتكثّف ليشكل قطرات ماء سائلة. بناءً على ذلك، فإن الهواء الّذي كان حتّى ذلك الوقت شفّافاً تماماً يمتلئ بسرعة بكميّات كبيرة من قطرات الماء الصغيرة الكثيفة الّتي تعكس جزءاً من أشعّة الشّمس السَّاقطة عليها، ولذلك، تبدو من بعيد على شكل قطن أبيض خفيف. هكذا تتكوّن الغيوم.
ولكن قطرات الماء تستمرّ في التّحليق في المكان الذي تشكَّلت فيه في أعالي السّماء ولا تسقط مجدّداً على الأرض. لماذا يحدث هذا؟ فالماء السائل يُفتَرَض أن يكون أثقل من الهواء.
السّبب الرّئيسي لذلك هو أنّ قطرات الماء في السّحابة تكون صغيرة جدّاً، حيثُ يبلغُ حجمها المتوسّط حوالي 10 ميكرون (1 ميكرون= 10 -6م أو 0.000001م). كلّما كان الجزيء أصغر ازدادت مساحة السّطح بالنسبة لوزنه. قطرات الماء ما زالت أثقل وأكبر من جزيئات الهواء المحيطة بها، ولكن مساحة السّطح الخارجيّ الكبيرة تتلامس مع العديد من جزيئات الهواء الّتي "تحمل" الوزن الكليّ للقطرة. قوّة الجاذبيّة تسحب القطرات إلى أعلى لكن الاحتكاك بينها وبين جزيئات الهواء يُبطِّئ من سقوطها.
بالمُقابل، إذا بقي تحت السّحابة "حملٌ حراريّ"، فإنه يستمرّ بتزويد عمود هواء خفيف يدفع قطرات الماء التي في السَّحابة إلى أعلى، مما يضعف تأثير الجاذبيّة الفعليّ.
الحمل الحراري يعمل، أيضاً، على ملء السّحابة ببخار ماء إضافيّ مصدره من الّتربة أو من القطرات التي تسقط من السّحابة نفسها، حيث تتبخّر قطرات الماء الّتي تسقط تحت ارتفاع نقطة النّدى في قاعدة السحابة، لتكوّن بُخاراً شفَّافاً.
اذاً، فالغيوم ليست جسماً ثابتاً يقف في السّماء، كما قد يبدو من بعيد؛ بل هي عمليّة دوريّة يتبخّر خلالها الماء ويرتفع، يتكثّف ثمّ يسقط. نقطة الندى هي الحد الذي يتحوّل المحتوى المائي في الهواء بعده إلى غيوم يُمكن رؤيتها.
لا تدوم الغيوم إلى الأبد. تيارات الهواء العمودية، وتغيُّرات درجات الحرارة المتواترة في الغلاف الجوي، تؤدّي الى ارتفاع نقطة التكثّف، بحيث أن بخار الماء لا يتكثف إلا على ارتفاعٍ أعلى. لذلك، يحدث أن الغيوم التي تتكوَّن في ساعات الصّباح الباردة تتبخّر تماماً عند الظّهر.في بعض الأحيان، تؤدّي التّغييرات في الغلاف الجّوّيّ الّتي تمرّ بها الغيوم إلى أن تتَّحد قطرات الماء التي فيها بعضها مع البعض ويزداد حجمها . عندما يتجاوز قطر هذه القطرات حدّاً مُعيَّناً، تصبح جزيئات الهواء غير قادرة على حملها فتسقط من السّحب على هيئة مطر.
لذلك، فإنّ السّؤال الصحيح لا يجب أن يكون: لماذا لا تسقط الغيوم؟ بل، متى سوف تسقط؟