كشفت دراسة أجرتها جامعة "نيويورك أبو ظبي" ارتباط حرق البخور بالتغييرات التي تطرأ على تكوّن الميكروبات الفموية، ما يزيد من احتمالات الإصابة بالالتهابات والأمراض بسبب حدوث خلل في الميكروبيوم الفموي، الذي يؤدي دوراً أساسيّاً في الحفاظ على التوازن الصحي.
فالملوِّثات الناتجة عن حرق البخور تؤدي إلى تلوُّث الهواء بأكاسيد الكربون والنيتروجين والكبريت بصورة لا تقل خطورةً عن التبغ، كما أنها تؤدي إلى حدوث تغيُّرات على تركيب الميكروبات الفموية، التي تؤدي دوراً أساسيّاً في الحفاظ على التوازن الصحي، ما يزيد من احتمالات الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية وسرطان الرئة".
اختبر الباحثون في الدراسة، التي نشرتها مجلة "نيتشر" (Nature)، مدى ارتباط استخدام البخور (الذي تستخدمه 90% من العائلات الإماراتية) بالتغيُّرات العضوية المتعلقة بالميكروبات الفموية، وتُعد الميكروبات الفموية نوعاً من الكائنات الحية المجهرية المتعايشة والتكافلية التي توجد في جوف الفم؛ إذ يسكن تجويف الفم مجتمع ميكروبيومي شديد التنوع، يؤدي دوراً بارزاً في الحفاظ على التوازن الصحي للشخص، وتتأثر الميكروبات الفموية وتكويناتها وإمكانياتها الوظيفية سلباً بتدهور صحة الأسنان وتناول الكحوليات ودخان التبغ.
ويرتبط استخدام البخور بزيادة مخاطر الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية وأمراض الرئة؛ إذ يحتوي الدخان الصادر عن حرق البخور على نسب عالية من الملوثات، مثل أول وثاني أكسيد الكربون، وأكسيد النيتروجين، وثاني أكسيد الكبريت والمركبات العضوية المتطايرة الموجودة في التبغ أيضاً.
الكائنات المجهرية
تقول "إيفون فاليس" -أستاذ علم الوراثة في جامعة الهند الغربية في بربادوس، والباحثة الرئيسية في الدراسة- في البيان الصحفي المنشور على موقع الجامعة: نجحنا للمرة الأولى على الإطلاق في إظهار الترابط بين استخدام البخور والتغيرات التي تطرأ على تركيب الكائنات المجهرية التي توجد في الفم.
تضيف "فاليس": نأمل أن تساعد نتائج الدراسة -التي استغرقت 6 أشهر- في الوصول إلى نتيجة تؤكد ارتباط التعرُّض لدخان البخور بالتغيُّرات التي قُمنا برصدها؛ إذ إنّ هناك حالة من انخفاض الوعي العام تجاه هذه المسألة، فضلاً عن انعدام السياسات التي تنظم استخدام البخور، خصوصاً في الأماكن العامة.
وأوضحت الدراسة أن 35.6% من الإماراتيين يستخدمون البخور على نحوٍ يومي، و33.7% يلجؤون إلى استخدامه على نحوٍ متكرر، وتتنوع النسبة الباقية بين استخدامه من حين إلى آخر (24.1%)، وعدم استخدامه مطلقاً (6.6%).
ومن خلال المقارنة بين مَن يستخدم البخور ومَن لا يستخدمه، توصلت الدراسة إلى أن حرق البخور مرتبط بالتغيُّرات التي تطرأ على تنوُّع الميكروبات الفموية وبنيتها وتركيبتها، حتى عند تعرُّض المستخدم لنسب ضئيلة من البخور، كما هو الحال بالنسبة لمَن يستخدمه بين الحين والآخر، في إشارة إلى أنّ التعرُّض القليل للبخور من شأنه أن يترك آثاراً ضارة على الصحة أيضاً.
تجانُس النظام الإيكولوجي
وحول مدى التشابه بين دخان التبغ والدخان الناتج عن حرق البخور، تقول "فاليس" في تصريحات لـ"للعلم": على الرغم من أن بعض المواد الكيميائية الموجودة في كلا النوعين من الدخان متشابهة، إلا أن هناك مواد سامة موجودة في البخور غائبة في التبغ. ومن المهم أن نفهم أنه على الرغم من أن البخور منتج طبيعي في الغالب، إلا أن تعرُّضه للحرق يغير من تركيبته الكيميائية.
وتشير دراسة أمريكية إلى أن دخان التبغ يؤثر على مواقع مختلفة من تجويف الفم، مثل الغشاء المخاطي للفم، ما يُسهم في عدم تجانُس النظام الإيكولوجي للميكروبات الفموية، التي تعمل على استقرار الكائنات الحية الدقيقة في الفم.
ووفق موقع مايو كلينيك، فإن "الفم مليء بالبكتيريا، التي معظمها غير ضار، ولأن الفم هو نقطة الدخول إلى الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي، فإن عدم تجانُس النظام الإيكولوجي للميكروبات الفموية والالتهاب المصحوب بنوع شديد من أمراض اللثة "التهاب دواعم الأسنان" قد يؤديان إلى الإصابة بأمراض مثل أمراض القلب الوعائية والالتهاب الرئوي وأمراض الجهاز التنفسي الأخرى".
تأثيرات ضارة
وعلى الرغم من أن عينة البحث (التي ضمت 303 من الأشخاص) اقتصرت على مواطنين إماراتيين، تؤكد "فاليس" -في تصريحاتها لـ"للعلم"- أنه يمكن تعميم نتائج الدراسة على شعوب من خارج الإمارات، مضيفةً: "قد يكون هناك تنوُّع بين الأشخاص من ذوي العرقيات المختلفة فيما يتعلق بتركيبة الكائنات الحية الدقيقة الموجودة في الفم، لكن الدخان الناتج عن حرق البخور سيكون له تأثيرات ضارة على الجميع، بغض النظر عن اختلاف عرقياتهم".
يتفق عاطف محمد فتحي –أستاذ بحوث البيئة بالمركز القومي للبحوث- مع النتائج التي توصلت إليها الدراسة بشأن الأضرار الصحية الناتجة عن حرق دخان البخور.
يقول "فتحي" في تصريحات لـ"للعلم": إن المكونات الرئيسية للبخور عبارة عن مواد أروماتية للمساعدة على الاشتعال، وزيوت عطرية ومساحيق تعمل على تشكل عجينة البخور في صورها المختلفة.
يضيف "فتحي" أن "الأضرار الناتجة عن حرق دخان البخور تفوق أضرار دخان السجائر؛ إذ تقدر كمية الملوِّثات الناتجة عن حرق دخان البخور بحوالي 45 ملليجراماً من كمية احتراق جرام واحد من البخور، أما الملوِّثات الناتجة عن حرق السجائر فتقدر بنحو 10 ملليجرامات من كمية احتراق جرام واحد من السجائر، ما يعني أن حرق دخان البخور أكثر ضرراً من حرق دخان السجائر".
بدورها، تشدد أمل سعد الدين –رئيس شعبة بحوث البيئة بالمركز القومي للبحوث- على خطورة استخدام البخور، وخاصةً بالنسبة للأطفال ومَن لديهم تاريخ وراثي للإصابة بأمراض سرطانية.
تقول "سعد الدين" في تصريحات لـ"للعلم": التعرُّض للملوِّثات الناتجة عن حرق البخور يمكن أن يصيب المسار بين الأنف والرئتين بالالتهابات، وتكون الأعراض بسيطةً في البداية مثل العطس، لكنها قد تتطور إلى الإصابة بحساسية الصدر، وخاصةً بالنسبة للأشخاص الذين لديهم تاريخٌ وراثي للإصابة بهذا المرض، كما أن النواتج الكيميائية الناجمة عن حرق البخور (مثل المركبات الأروماتية) تؤدي إلى حدوث تأثيرات بيئية ضارة، وترتبط بالإصابة بأمراض مثل سرطان الرئة.
وتنصح "سعد الدين" بتجنُّب الاستخدام اليومي للبخور، وألا يزيد معدل استخدامه (إذا كانت هناك ضرورة لاستخدامه) عن عشر دقائق لمرة واحدة في الأسبوع، وألا يتم استخدامه في غرف مغلقة، مشددةً على "ضرورة عدم تعرُّض الأشخاص الذين لديهم تاريخ وراثي للإصابة بأمراض مثل سرطان الرئة وحساسية الصدر للدخان الناتج عن حرق البخور".
وفي السياق، تشدد "فاليس" على أنه من الصعب أن تكون هناك طرق فاعلة للحد من مخاطر استخدام البخور؛ لأنه تحول إلى جزء من عادات الناس وطقوسهم الدينية، مضيفةً أنه من المبكر جدّاً الحديث عن ذلك الأمر، وتتمثل أكثر الطرق أماناً في الوقت الحالي في تقليل كمية البخور المحترق، وتشجيع الناس على تغيير سلوكياتهم بما يتفق مع حماية أطفالهم الصغار وجميع أفراد أسرهم من مخاطر استخدام البخور وحرقه، ما دفعنا إلى إجراء مزيد من الأبحاث التي تجري حاليّاً مع المجموعة الرئيسية لـ"دراسة مستقبل صحي للإمارات".
ويتعاون على إعداد "دراسة مستقبل صحي للإمارات" 28 باحثاً من مجموعة مختلفة من الجامعات والمؤسسات، تتضمن جامعة نيويورك أبو ظبي، وجامعة نيويورك، و"كليفلاند كلينك" في أبو ظبي، وجامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، وجامعة زايد، وجامعة الإمارات العربية المتحدة، ومستشفى زايد العسكري، ومركز الشيخ خليفة الطبي، وشركة أبو ظبي للخدمات الصحية، وجامعة الهند الغربية في بربادوس، وحتى اليوم، سجل أكثر من 7 آلاف مواطن إماراتي للمشاركة في تلك الدراسة.