درجة الحرارة اليوم هي تقريباً ضعف ما كانت عليه قبل ألاف السنين، أسباب حدوث الاحتباس الحراري العالمي "Global warming" مختلفة، يقول بعض العلماء أن التلوث هو السبب الرئيسي، بينما يقول البعض الآخر أنه تغير في الطبيعة.
وتوجد عدة نظريات تفسر هذه الزيادة. يُتوقع بأن تزداد درجة حرارة سطح العالم بمقدار 1.4° إلى 5.8° سيليزية، وبعض الدراسات تتوقع أن تكون الزيادة أكبر من ذلك وتصل إلى 10° سيليزية حتى العام 2100.
الهندسة الجيولوجية الشمسية
في عملية تسمى الهندسة الجيولوجية الشمسية، يمكن إدخال جزيئات تعكس الضوء إلى الغلاف الجوي للأرض، لتسبب ارتداد أشعة الشمس مرة أخرى إلى الفضاء، والحفاظ على برودة الكوكب. وفي حين أنه جرت بالفعل مناقشة هذا المفهوم المثير للجدل لعقود عديدة من الزمن، إلا أن مخاطر الهندسة الجيولوجية جعلت العلماء يعزفون بعض الشيء عن محاولة استخدام هذه التكنولوجيا. لكن باحثين، يقولون إنهم قد توصلوا لوسيلة لجعلها آمنة.
عادة ما يشير مصطلح الهندسة الجيولوجية الشمسية إلى نشر إيروسول الكبريتات "Aerosols" (وهي جزيئات غنية بعنصر الكبريت عالقة في الهواء المضغوط بالضبط مثل بخاخات معطر الجو ومبيدات الحشرات) في طبقة الستراتوسفير. تحدث هذه العملية بشكل طبيعي خلال الانفجارات والثورات البركانية، إذ تعكس الجزيئات المنطلقة ضوء الشمس مما يكون له تأثير على تبريد الكوكب. قد تبدو فكرة أن حدوث ثوران بركاني بكل ما يطلقه من غازات وحمم هو سبب في تبريد الكوكب، غريبة وغير مهضومة للكثير منا، لكن هذا هو الواقع نتيجة جزيئات الكبريتات.
ولكن المشكلة مع إيروسول الكبريتات، وفقاً للباحثين في جامعة هارفارد، هو أنها تتحول إلى حامض الكبريتيك في طبقة الستراتوسفير، وهو الأمر الذي يسيء إلى طبقة الأوزون للأسف.
هنا فكر العلماء بهذه الطريقة: لكن ماذا لو استخدمنا نوعاً مختلفاً من الإيروسول، والذي يتميز بأنه لايزال بمقدوره عكس أشعة الشمس، ولكنه لا يحدث خسائر في طبقة الأوزون؟
يقول عالم الغلاف الجوي فرانك كوتش، من مدرسة جون بولسون للهندسة والعلوم التطبيقية التابعة لهارفارد، إنه في أي وقت كان العلماء يرسلون جزيئات خاملة ما إلى طبقات الجو العليا، كانت تحدث تفاعلات بين هذه الجزيئات والغلاف الجوي التي تؤدي في نهاية المطاف إلى تدمير طبقة الأوزون، السبب في ذلك يعود إلى أن هذه الجزيئات دائماً ما تصبح مغلفة بحمض الكبريتيك.
وأضاف: «بدلاً من محاولة الحد من التفاعلات التي تحدث مع الإيروسول، أردنا الحصول على مادة تكون شديدة التفاعل، ولكن بطريقة من شأنها أن تتجنب تدمير طبقة الأوزون».
وبالبحث عن الجزيئات التي تكون قادرة على تحييد أحماض الكبريتيك والنيتريك والهيدروكلوريك على سطحها، بدأ الفريق البحثي عملية البحث في الجدول الدوري.
السر في «الكالسيت»
في نهاية المطاف، وبعد عمليات محاكاة واسعة النطاق، اكتشفوا أن الكالسيت "Calcite" (معدن يتكون من كربونات الكالسيوم CaCO3)، هو ما كانوا يحتاجونه بالفعل، خصوصاً وأنه يمكنه تحويل الأحماض إلى أملاح مستقرة. يقول كوتش «في الأساس، لقد انتهى بنا الأمر مع مضاد للحموضة لطبقة الستراتوسفير»، في إشارة إلى أن هذه الطبقة حمضية كونها تنتج أحماضاً عند التفاعل مع الكبريتات وغيرها، وبالتالي الحل يكمن في تقديم مضاد للحموضة لها كما يفعل الإنسان مع معدته.
ومن خلال محاكاة ظروف طبقة الستراتوسفير في التجارب المخبرية، يقول الفريق البحثي إن الكالسيت يمكنه في الواقع عكس الضوء وفي ذات الوقت مكافحة عملية فقدان طبقة الأوزون. وتكمن ميزة الكالسيت في توفره بكثرة على سطح الأرض مما يجعله مورداً عملياً للهندسة الجيولوجية.
ويقول ديفيد كيث، عالم الفيزياء التطبيقية، إن الكالسيت هو واحد من المركبات الأكثر شيوعاً في قشرة الأرض، موضحاً أن الكميات التي ستستخدم منه في تطبيقات الهندسة الجيولوجية الشمسية ستكون صغيرة. ولكن وعلى الرغم من هذا الاكتشاف الواعد، يقول الفريق البحثي إن كمية كبيرة من البحوث الإضافية يجب القيام بها أولاً قبل أن نبدأ حقن هذه المادة في الغلاف الجوي.
ويذكر كيث أن كيمياء طبقة الستراتوسفير معقدة، و«نحن لا نفهم كل شيء عنها»، كما يقول العلماء، لكن ما يعلمونه يقيناً، هو أنه في قلب العملية سوف يكون هناك تفاعل كيميائي ضخم يجري حدوثه في الغلاف الجوي، وذلك بسبب الطريقة التي سيعادل بها الكالسيت الأحماض.
مفيد لطبقة الأوزون
ويقول كيث إريك، أحد الباحثين المشاركين، إن الكالسيت يمكنه أن يبعثر ضوء الشمس بمقدار أكثر أو أقل مما تقوم به قطرات الحامض، كما أنه يتيمز بأنه لا يتسبب في تسخين طبقة الستراتوسفير السفلى بمقدار كبير.
وأضاف: «إن الهدف الأساسي هنا هو أن الكالسيت قاعدي التأثير وبالتالي يتفاعل مع الأحماض القوية في طبقة الستراتوسفير مكوناً أملاحاً، وهو الذي من شأنه إحداث عملية عكسية لمشكلة ثقب الأوزون».
وفي حين أن الكالسيت قد يكون جيداً لطبقة الأوزون في الغلاف الجوي، فنحن لازلنا لا نعرف ما هو تأثيره البيئي وخصوصاً الأمطار الملحية التي ستسقط على المحيطات والتربة (الأملاح الناجمة عن عملية التعادل بين الكالسيت والأحماض ستسقط للأرض مرة أخرى مع الأمطار)، ونحن لا نعرف كيف ستكون التفاعلات التي سوف تحدثها في نهاية المطاف في المناطق القطبية.
وبالعودة إلى كيث، فقد قال: «نحن نستطيع أن نجزم أنه ستكون هناك عواقب غير مقصودة. هذه العواقب لم يبحث عنها حتى الآن أي شخص بشكل جدي وذلك نتيجة هذه المحرمات المفروضة على هذه الأنواع من الأبحاث».
والأسباب متنوعة لكون هذه الأبحاث من المحرمات العلمية، فبعض الباحثين يرون أن الهندسة الجيولوجية الشمسية إلهاء غير مثبت فعاليته والتي تأخذ الاهتمام والموارد بعيداً عن العلم والتكنولوجيا الخاصة بالطاقة المتجددة النظيفة والجهود التقليدية الأخرى لخفض انبعاثات الكربون.
كما يجب أن نعرف أنه ينبغي عدم التقليل من المخاطر المحتملة للمسعى الخاص بتطبيقات الهندسة الجيولوجية، فقد جرى تصنيف هذه التكنولوجيا ضمن قائمة التكنولوجيا المهددة للبيئة ذات المخاطر العالية، وعلى قائمة المخاطر الكارثية العالمية التي جرى نشرها في وقت سابق من هذا العام.
ولعل هذا هو السبب الذي جعل الباحثين يقولون إنهم بحاجة لمواصلة الأبحاث في إمكانيات العلوم المتعلقة بالهندسة الجيولوجية. الحد من انبعاثات الكربون الخاصة بنا هو أفضل فرصة لدينا للتخفيف من مخاطر التغير المناخي هذا القرن، ولكن إذا تمكنت هذه الجزيئات بالفعل من عكس الضوء بدرجة عالية من الأمان، فستكون لدينا فرصة كبيرة للسيطرة على التغيرات المناخية الحادة المواكبة للاحتباس الحراري.
ويرى الكثير من الباحثين أن الهندسة الجيولوجية الشمسية هي بمثابة عقار مكمل، بينما العقار الرئيسي هو خفض انبعاثات الكربون في غلافنا الجوي. لكن خفض الانبعاثات وحده ربما لا يقلل من المخاطر، لذلك فإن مزيجاً من الأمرين هو الأفضل بالفعل.
المصدر: ساسة بوست