هاتف بحجم يدك أو أصغر، يمكّنك من طواف العالم في أقل من ثوانٍ معدودة، وينقل إليك أخبار شتى بقاع الأرض، يجعلك دائماً على تواصل مع أصدقائك وأقاربك مهما بعدت المسافات، وذلك من دون الحاجة إلى مكالمات دولية. هكذا تعمل تكنولوجيا الهواتف الذكية التي تركت بصمة واضحة في حياتنا، لكن مع هذا التطور التكنولوجي، كيف أثرت الهواتف الذكية على حياتنا الأسرية؟ وكيف تحول إدمان الهواتف الذكية إلى مرض؟
مرض "النوموفوبيا - Nomophobia" أو ظاهرة "رهاب الهاتف المحمول"، هي ظاهرة عالمية في ازديادٍ كبيرٍ ومفرطٍ بين الكبار والصغار. وهي الإسم إختصار لكلمات "No mobile phone phobia" والعبارة تعني الشعور بالخوف من عدم وجود الهاتف المحمول أو فقدانه أو الإبتعاد عنه لأكثر من يوم واحد، أو الوجود خارج نطاق تغطية الشبكة، ومن ثم عدم القدرة على الإتصال أو استقبال الإتِّصالات، كما يصيب هذا الرهاب مدمني استخدام شبكات التواصل الإجتماعي الذين لا يتحملون انقطاع اتصالهم بشبكة الإنترنت.
وخلافاً لما قد يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى، فإنّ نسبة الإناث اللواتي يخشين فقدان الهاتف أو نسيانه أعلى من نسبة الذكور، إذ تشير الدراسات إلى أنّها تبلغ 70% لديهن و61 بالمئة لدى الذكور، الذين يميلون إلى امتلاك أكثر من هاتف (47% مقابل 36% للنساء). وتزداد نسبة الإصابة بهذا الخوف المرضي بين صفوف الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً.
في آسيا، مسقط رأس عصا السيلفي (selfie) والرموز التعبيرية "إيموجي"، يقول علماء النفس إنّ إدمان الهواتف الذكية فيها يرتفع بسرعة جنونية، وخصوصاً بين الشباب.
ووجدت دراسة حديثة أجريت على ما يقرب 1000 طالب في كوريا الجنوبية، أنّ 72% من الأطفال يمتلكون هواتف ذكية في سن 11 أو 12 سنة، وهم يقضون في المتوسط 5.4 ساعة في اليوم منكبين عليها، ونتيجة لذلك تحول حوالي 25% منهم إلى ما يمكن تسميتهم "مدمنين" على الهواتف الذكية.
بعيداً عن الأرقام والمقارنات، فإنّ الإستخدام واسع النطاق للهواتف الذكية، أدى إلى تغيير جذري في السلوك المجتمعي. وعدد كبير ولا يحصى من مستخدمي الهواتف الذكية ينامون وأجهزتهم بأيديهم. ما يشير إلى وجود خطر يهدد سكان الأرض من هذه الهواتف، ألا وهو إدمان هذه التقنية بالفعل.
من الناحية الأُسَرية:
تتصدر الهواتف الذكية قائمة أسباب التفكك الأسري، ورغم الميزات الكثيرة التي يجنيها الهاتف الذكي، إلّا أنها عادت بالسلب على الترابط الأسري والتواصل المباشر مع المحيط الإجتماعي. وإننا نشهد نوعاً من التفكك بين أفراد الأسرة الواحدة، فاستخدام التكنولوجيا في مجال العمل مطلوب، لكن في المنزل من الضروري تخصيص الوقت للأسرة، والإبتعاد عن التواصل عبر الهواتف، لأنها تدمر العلاقات الأسرية. لذا يجب استعمال هذه التقنية وتوظيفها التوظيف الصحيح والسليم، بعيداً عن السلوكيات الخاطئة والسيئة.
من الناحية النفسية:
وجدت الدراسة، التي ستنشر في عام 2016 أن التوتر كان مؤشراً هاماً على احتمال تحوّل المستخدم العادي إلى مدمن على هاتفه الذكي، وإنه كلما ازدادت معدلات التوتر النفسي والقلق لدى الشخص، كلما سارع بالهروب إلى هاتفه الذكي ليتخلص من هذا الإحساس. ووجدت الدراسة أيضاً أنّ الأشخاص الذين ينعمون بحياة هادئة يقل إهتمامهم بالهاتف الذكي عن أقرانهم المتوترين بصورة مستمرة.
كما وجد الطب النفسي أنه عندما تصل حالة المستخدم إلى إدمان الهاتف الذكي الخاص به، بالدرجة التى يتطلع فيها إلى هاتفه 34 مرة في اليوم، يبدأ بالتفاعل مع المجتمع بشكل غريب فيه أعراض إدمان المخدرات التي تتمثل في الإنسحاب والإكتئاب والأرق والقلق أيضاً، وذلك بخلاف الآثار الجسدية التي تتضمن الصداع والشعور بالدوخة والغثيان وعدم وضوح الرؤية.
ويبدو أنّ هذه الظاهرة المرضية في إزدياد مستمر وبشكل سريع ومخيف قد يؤدي إلى إضطراب عقول ونفوس الأجيال مستقبلاً ويستحوذ على تفكيرهم ويحد من قدراتهم في مجال العلم والمعرفة والتطور، كما أنّ هذه الظاهرة ستتفاقم لتصبح المدمر الأساس للروابط الأسرية وللروابط الإجتماعية، فهل ستجد المجتمعات ما يحد من خطر هذه الظاهرة أم إنها إلى تفاقم وإزدياد؟