حفريات العالم الميت
لطالما اعتقد علماء الفلك والكواكب أن نشوء القمر كان عن طريق اصطدام عملاق بين عالمين اثنين في المراحل المبكرة من تشكل نظامنا الشمسي، والمعروفة بــ "فرضية الاصطدام العملاق" أو " التصادم الكبير" . تفترض هذه النظرية أن نشوء الكوكب الوليد محض الصدفة حدث ضمن مدار طروادة (Trojan) التابع لكوكبنا.
وبعد مرور 100 مليون سنة تقريباً، أي بعد ولادة النظام الشمسي، شهد كوكبنا وهذا المتطفل الوليد تأثيراً مزلزلاً مهولاً، وذلك لعجز هذين الكوكبين أن يشغلان المدار نفسه لمدة طويلة دون أن يمنحان شيئاً.
فكانت النتيجة تشك~ل نظام الأرض والقمر الذان نراهما اليوم.
ولكن تعذّر علينا الحصول على تفاصيل السيناريو بشكل كامل. افترض الكثيرون أن ثيّـا (Theia) – وهو اسم مرتبط بالقصائد الشعرية أطلق على العالم الميت منذ زمن بعيد، اختير من قبل الآلهة تيتان (Titaness) في الأسطورة الإغريقية القديمة، والتي كانت أم القمر- بالكاد يميل بزاوية 45 درجة أو أكثر عن جانب الأرض.
إن كان الأمر كذلك، فمن المتوقع أن يستمد سطح القمر تركيبه من مواد القشرة السطحية لـِ ثيّا. وبالتالي، تمتلك الأرض وقمرها بصماتٍ كيميائيةٍ مختلفة. ودعمت دراسة المانية نشرت في العام 2014 من قبل فريق الماني هذه الفكرة.
ولكن ألغى البحث الجديد الذي قادهُ فريق جامعة كاليفورنيا هذه الفكرة، وأظهر بشكل قاطع بأن تأثير (الأرض- ثيـا) كان بسبب اصطدام مباشر خلّف تكوين كوكبين جديدين يدوران حول بعضهما.
أدى هذا في نهاية المطاف لتشكيل الأرض والقمر.
بصمات النظائر
تأتي الأدلة على شكل نظائر الأوكسجين – وهي ذرات بأعداد متفاوتة من النيوترونات – متحجرة داخل صخور القشرة الأرضية لكلٍ من الأرض والقمر. وتأتي الغالبية العظمى من الأوكسجين على هيئة (O-16). وتتكون ذرة الأوكسجين القياسية من 8 بروتون و8 نيوترون وكميات صغيرة من النظائر الثقيلة. يُكوّن ( O-17 و O-18) مزيجاً فريد اًمن نوعهُ، وهو بمثابة بصمة كيميائية -إن جاز التعبير- لطبيعة الكوكب.
تملك الأرض عنصراً مكملاً فريداً لنظائر الأوكسجين، وكذلك كوكب المريخ، والزهرة، وعطارد، ....الخ.
حلل الفريق 7 صخور قمرية قادمة من بعثات أبولو 12، و15، و17. بالإضافة الى ستة صخور بركانية أرضية؛ خمسة من هاواي (Hawaii) وواحدة من ولاية أريزونا (Arizona).
"نحن لا نرى أي اختلاف بين نظائر الأوكسجين الموجودة على الأرض وتلك الموجودة على القمر، لدرجة لا تمكننا من التمييز بينهما" ، هذا ما أعلنه إدوارد يونغ ، وهو بروفيسور في الكيمياء الجيولوجية والكيمياء الفلكية في جامعة كاليفورنيا، والمؤلف الرئيسي للبحث الجديد المنشور في العدد 29، كانون الثاني لمجلة ساينيس (Science).
استخدم الفريق تكنولوجيا وتقنيات معقدة للحصول على قياسات دقيقة، وهذا يعني استنتاجات موثوقة لا شك فيها وستحسم بالنتيجة الجدل.
ماذا حدث لكل كمية الماء؟
سيستغرق ظهور الآثار المترتبة على هذه الدراسة بعض الوقت. ما هو واضح هنا، توزع مادة ثيّـا في جميع أنحاء الأرض والقمر. يشير هذا إلى أن الشيء الذي كان موجود سابقاً قد طُمس وأعيد دمجهُ بشيء جديد.
لم يكن التصادم في حقيقة الأمر بين ثيّـا و"الأرض"، بل كان عملية سحق كونية بين ثيّـا وكوكب أخر مجهول الاسم، كان يشغل في فترة ما المدار الحالي لكوكب الارض. حيث دُمر كلا الكوكبين وأعيد تشكلهما من جديد– كطائر العنقاء فونكس (phoenix)- وتكون الأرض والقمر اللذان نعرفهما ونحبهما اليوم.
يتبقى لغز أخر يجب حله، وهو مسألة ما حدث لمياه الأرض. قام الاصطدام بلا شك بتبخير أي جزيئة من ماء موجودة على الكوكب. ويعتقد يونغ أن الاصطدامات المتلاحقة مع كويكبات ومذنبات حاملة لِجزيئة الماء (H2O) هي ما كونت محيطات الأرض المستقبلية.
وبعد كل هذا، لايزال النظام الشمسي في طور الولادة.