قام بعض الباحثين عبرَ زراعةِ دماغ لاسلكي بتجاوزِ أضرارٍ في النخاعِ الشوكيّ لقردين مشلولين من فصيلةِ المكاك الريسوسي (Rhesus Macaques قرود تعيش في شرق آسيا)، مما أعاد لهما القدرة على المشي.
يقومُ هذا النظامُ بإرسال إشاراتٍ دماغيةٍ لاسلكياً كي تحفّزَ العضلاتِ المسؤولةَ عن تحريك الساق، وهو يُمثل العضو الصناعيّ العصبيّ الأول من نوعه القادرُ على تمكين حيوانٍ رئيسي من الحركة مرة أخرى. بالرغم من أن هذه الواجهة التفاعلية بين الدماغ والحبل الشوكي لم يتم اختبارُها بعد إلا على قرود المكاك فقط، ولكن يعتقدُ الفريق القائم على الأبحاث أنّه سيأتي يومٌ تعيدُ فيه هذه التكنولوجيا القدرة على المشي للبشر المشلولين نتيجةَ أضرارٍ في النخاع الشوكيّ.
كيف يعملُ هذا النظام؟
ربما من المفيدِ بدايةً شرحُ عملية الحركة الطبيعية خلال المشي، التي تتضافرُ فيها جهودُ كلّ من الدماغ والحبل الشوكي وعضلات الساق، حيث تقومُ القشرة الحركيّة في المخ بإنشاء إشاراتٍ كهربائيةٍ وإرسالِها إلى المنطقة القطنية أسفل الحبل الشوكي. عندما تصل الإشاراتُ إلى وجهتها تقوم بتفعيل العصبونات الحركيّة التي تساعدنا في تنظيم حركة عضلات الساق، ومن ثم بتتابعِ الإشارات تتمّ عملية المشي كما نعرفها.
لكن قد تؤدي الإصاباتُ في أعلى الحبل الشوكيّ إلى الإضرارِ بقناةِ الاتصال بين الدماغ وأسفل الحبل الشوكي، مما يعني عدم مرور الإشاراتِ لتنظيمِ حركةِ الساق.
يهدف الفريق إذاً إلى استعادة هذه الحركة المفقودة، عبر إرسالِ نفسِ الإشارات المخية لاسلكياً، لتجاوز جميع الأعصاب المتضرّرة.
يعتمد هذا النظامُ على تكنولوجيا استشعارٍ مُسبقةٍ تدعى BrainGate. يتألف هذا النظام من مصفوفة من الأقطاب الكهربائية بحجم حبة الدواء، مزروعةٍ في الدماغ لالتقاطِ إشاراتِ الحركةِ التي تنشأُ من القشرة الحركية. يقوم بعدها حساسٌ لاسلكيّ بإرسالِ الإشارات إلى حاسوبٍ ليترجمَها ثمّ يعيد إرسالها لاسلكياً إلى محفزٍ كهربائي مزروعٍ في المنطقةِ القطنيةِ من الحبل الشوكيّ تحتَ منطقةِ الإصابة مما يؤدي إلى تشغيل عضلات الساق.
يضمُ فريقُ البحثِ شركاءَ من سويسرا وألمانيا، ويقول أحدُ أعضاءِ الفريق وهو المهندس ديفيد بورتون من جامعة براون: "يَستخدِمُ النظامُ الذي طوّرناه الإشاراتِ المسجلةَ من القشرة الحركية في المخ لبدءِ تحفيزٍ كهربائي للأعصاب الشوكية المسؤولة عن الحركة، وبمجرد تشغيل النظام على الحيوانات تصبحُ لديها حركةً شبه طبيعية."
قام الباحثون بمعايرة النظام عبر زرع هذه الواجهة العصبية في قرود مكاك سليمة، كي يلتقطوا إشاراتِ الدماغِ التي تترافقُ مع حركة الساق وتنقلاتها، ثم اختبروا النماذجَ المزروعةَ بواسطةِ حيوانين لديهما شللٌ مؤقتٌ نتيجة أضرارٍ في الحبل الشوكي في المنطقة الصدرية الشوكية (أعلى ومنتصف الظهر).
عند تشغيل الواجهة والمستقبلات بدأت الحيوانات بتحريك سيقانها لوحدها، والمشي بشكل شبه طبيعي اعتماداً على جهاز مشي. الفيديو أدناه يوضح ذلك.
ما هي أهمية أن يكون النظام لاسلكياً؟
يقول الباحثون أن استعادة القدرة على الحركة بدون أسلاك أمر بالغ الأهمية، لأنّ أنظمة التحسّس الدماغية السلكية من الممكن أن تعرقل حرية الحركة.
يقول بورتون: "القيام بذلك لاسلكياً يمكننا من وضع تصور للنشاط العصبي ضمن السياق والسلوك الطبيعيين. إذا كنا نحلم بيوم تصبح فيه الأجهزة العصبية الصناعية قادرة على مساعدة المرضى من البشر في نشاطاتهم اليومية، فإن هذه التكنولوجيا اللاسلكية المستخدمة في تسجيل الإشارات ستكون ضرورية جداً."
هل هذا النظامُ جاهزٌ للتجريب على البشر؟
هذا إنجاز عظيم فعلاً، لكن يُحذّر الفريق من وجود بعض القصور في النظام حتى الآن. منها أنّ الواجهةَ التفاعليةَ لا تزالُ بحاجة لحاسوب مستقل لترجمة الإشارات. بالإضافة إلى أنّ الإشارات اللاسلكية تعملُ حالياً بإتجاه واحد من الدماغ إلى السيقان، بينما في المشي الطبيعي تقوم أقدامنا وسيقاننا بإرسال معلومات تحسسية إلى الدماغ لتساعدَنا في تحقيق التوازن والسرعة والتناسق، وحلّ هذه المعضلة هو خطوة الباحثين التالية.
يقول بورتون: "إذا تعمقنا في الدراسة، سنقوم بزيادة معلوماتنا التقديرية عن مدى توازنِ الحيوانِ خلالَ المشي، ونقيس القوى التي يستطيع تطبيقها." ويضيف بورتون: "هناك قاعدة في علم الأعصاب تقول إنّ دارات الأعصاب التي تعمل سوية ترتبط سوية (circuits that fire together wire together)، أي إنّه من خلال ربط عمل الدماغ والنخاع الشوكي سوية نصبح قادرين على تنمية دارات الأعصاب خلال عملية إعادة التأهيل. هذا أحد أهم أهداف المشروع، وهو هدف لعلم الأعصاب بشكل عام."
في الختام، يؤكد الفريق أنّه قدّ تمر سنوات قبل رؤية النظام يعمل على البشر، ولكن مع ذلك من المهم جداً أن نأخذ لمحة عمّا يمكن أن يفعله هذا الجهاز اللاسلكي.
باختصار، إن استخدام هذه الواجهة لاستعادة الحركة بعد تفعيل الحساسات، قد يجعلُها ذاتَ يومٍ أداةً مهمةً جداً لإعادة تأهيلِ الناس المقعدين كي يقفوا على أقدامهم مرة أخرى بدون مساعدة.
المصدر: الباحثون السوريون, مترجم من موقع sciencealert