إنَّ المسافات بين النجوم تبلغ حدوداً هائلة. فمثلاً نجد أن أقرب نجم إلينا، بعد الشّمس، يبعُد عنَّا 4.5 سنة ضوئية. أمّا نجوم المجرّات السحيقة، فبعدها من رتبة عشرة مليار سنة ضوئيّة. حيث السّنة الضوئيّة هي المسافة التي يقطعها الضوء خلال سنة، وبسرعة 300 ألف كيلومترا لكلِّ ثانية. يعتمد العلماء على عدة آليات لحساب كل هذا، من بين الآليات المستخدمة في ذلك :
زاوية اختلاف المنظر أو التزيّح - الاختلاف الظاهري النجمي (Stellar Parallax)
"اختلاف المنظر" أو "الاختلاف الظاهري" من أول الطرق التي استخدمها علماء الفلك لتقدير أبعاد النجوم، وكان الفلكي الألماني فريدريك بيسل أول من استخدمها في ثلاثينات القرن التاسع عشر، ونحنُ نستطيع استبيان مبدأ هذه الطريقة بسهولة، فعندما نضع يدنا أمام وجهنا على مسافة قريبة، ثم ننظر لها بعين واحدة كل مرة، سنلحظ أن اختلافاً "ظاهرياً" في موقعها بالنسبة لمشهد الخلفية الذي نراها من أمامه، هذا "الاختلاف الظاهري" يزداد كلما كان الجسم المنظور أقرب إلينا، وكلما كانت المسافة بين منطقتي الرصد (المسافة بين العينين في مثالنا السابق) أكبر.
للتوضيح, يستخدم الفلكيّون زاوية اختلاف المنظر أو التزيّح من أجل قياس أبعاد النجوم القريبة منَّا. فعندما تقوم بتوجيه بصرك نحو إحدى البنايات مثلاً، فإنك سترى بيوتاً أو علامات أخرى بعيدة خلف البناية. ولو تحرّكت قليلاً إلى اليمين أو اليسار، ونظرت إلى نفس البناية، سترى أن العلامة التي كانت تقع خلف البناية قد تحرَّكت (ظاهرياً) وأصبحت في مكان آخر.
وستجد بذلك أنَّك صنعت مثلثاً متساوي الساقين، قاعدتُه هي المسافة التي تقع بين النقطتين اللتين وقفت عندهما. ولو قِسْتَ الزَّاوية التي تراها من كلِّ جانب لاستطعت أن تجد زوايا هذا المثلث، وإذا قِسْتَ المسافة بين النقطتين اللتين وقفت عندهما، فيمكن من خلال حساب المثلثات أن تعرف بعد هذه البناية.المثلث وحساباته هو جوهر الموضوع هنا وهذا ما يقوم به العلماء لحساب المسافة التي تفصلنا عن نجم أو كوكب قريب، بحيث يتم رصده في شهر وإنتظار 6 أشهر أخرى حتى تدور الكرة الأرضية حول الشمس ثم نرصده مرة ثانية لنكون قاعدة للمثلت وهي نقطة الرصد الأولى والثانية إذا رصدناه من جهتين مختلفتين بعد أن دارت الكرة الأرضية نصف عام، وهكذا فإننا نعلم أن المسافة بين موقعنا الأول والثاني التي تساوي ستة أشهر زمنية بمعنى نصف سنة أي نصف قطر المدار الدائري للأرض حول الشمس وهو يساوي 150 مليون كيلومتراً. (يرمز لها ب (AU))، وهذه تمثل قاعدة المثلث ولدينا قياس زاوية المنظر عند رصد النجم أي الزاوية التيي رأينا منها النجم يرمز لها ب(O)، مع هذين العاملين يمكننا إيجاد المسافة (يرمز لها بـ (D)) التي تفصلنا عن النجم بإعتباره هو رأس المثلث بالقاعدة الموجودة في الصورة.
وقد تضاعفت قدرة هذه القاعدة لتصبح قادرة على حساب مسافات كبيرة جدا بفضل الأقمار الصناعية.
أما النجوم البعيدة نسبياً، والموجودة في مجرَّات غير مجرتنا فتقاس أبعادها عن طريق مقارنة شدَّة لمعانها مع شدَّة لمعان نجم قريب داخل مجرَّتنا. ويراعى هنا أن يكون للنجمين نفس الخصائص الطيفية .
فإذا أتينا بمصباح وقمنا بحساب المسافة بينه وبيننا وحسبنا مقدار ضيائه الذي يساوي ويمثل هذه المسافة التي بيننا, فيمكننا أن نعرف المسافة التي تفصلنا معه حتى لو أبعدته كثيراً فقط بحساب مقدار ضياءه هذه الطريقة تطبق على النجوم التي لها نفس الخصائص الطيفية.
- الانحراف نحو الأحمر وثابت هابل
عندما تمر بقربك سيارة اسعاف فانك تلاحظ أن صوتها عندما تقترب مختلف قليلاً عن صوتها عندما تبتعد. سبب هذا الاختلاف أن تردد الصوت يختلف بين اقتراب المصدر وابتعاده. ويعتمد مقدار الاختلاف على مدى سرعة السيارة في الاقتراب والابتعاد ويعرف هذا المفعول بمفعول دوبلر. وقد بينت نتائج الرصد أن الكون يتوسع وكل المجرات المحيطة بنا تبدو لنا وكانها تبتعد عنا، وبسرعتها ترتبط بمدى بعد هذه المجرة. فكلما كانت المجرة أبعد كانت سرعة ابتعادها أكبر وترتبط السرعة بالمسافة بعلاقة وضعها عالم الفلك أدوين هابل تربط المقدارين بعدد ثابت سمي ثابت هابل.
قياس المسافة بيننا وبين القمر
تقاس المسافة بيننا وبين القمر بشكل يومي لمعرفة سرعته وتحركاته وتصرفه وبدقة شديدة تصل لنانومتر، بحيث وضع العلماء مرايا على سطح القمر يقومون الآن بتوجيه ضوء ليزر لتلك المرايا ينعكس الضوء ويعود إلينا ،وهكذا نحصل على المسافة التي قطعها الضوء بيننا والقمر، يهتم العلماء بشكل كبير جداً بالقمر لأن مصيره مرتبط بمصير الأرض
ولتطبيق هذه الطريقة في قياس أبعاد النجوم عن الأرض، يستفيد الفلكيون من دوران الأرض حول الشمس، حيث يرصدون نجماً ما بحيث يحددون موقعه بدقة على خلفية نجوم أخرى، ثم وبعد ستة أشهر، أي بعد أن تحتل الأرض في مدارها حول الشمس موقعاً مقابلاً للموقع الأول الذي تم منه الرصد (والمسافة بين هذه الموقعين معروفة وهي تساوي وحدتين فلكيتين، أي 300 مليون كم) يعاود الفلكيون رصد ذات النجم وتحديد موقعه على الخلفية النجمية، والتغير الظاهري في موقع النجم يتعلق ببعدنا عن النجم، فيكون الاختلاف الظاهري كبيراً للنجوم القريبة وصغيراً للنجوم الأبعد، لكنه وفي كل الأحوال يقاس هذا الاختلاف بأجزاء من الثواني القوسية (الثانية القوسية جزء من 3600 جزء من الدرجة القوسية، ولندرك هذا الرقم نتذكر أن قرص القمر في طور البدر في سماء الأرض يبلغ تقريباً 0.5 درجة قوسية).