مرحباً بك في مجلة العلوم والتكنولوجيا
نقدم لك رحلة فريدة إلى عالم الاكتشافات العلمية والابتكار التكنولوجي

نحن ملتزمون بتقديم محتوى جذاب ومثير يستكشف أحدث اكتشافات العلوم وتطورات التكنولوجيا. من خلال مقالاتنا، نهدف إلى تحفيز شغف التعلم وتوفير منصة لتبادل المعرفة. انضم إلينا في مهمتنا لفك رموز العلوم، واكتشاف عجائب التكنولوجيا، والمساهمة في مستقبل لا حدود له للابتكار.

heroImg



أسطورة النصف الأيمن والأيسر من الدماغ .. حقيقة أم خرافة؟!
2016-07-09

ترجمة

بالطبع قد سمعتم أو قرأتم من قبل عن نظرية الدماغ الأيسر والايمن وتعرضتم لاشخاص يعتقدون أنهم يستخدمون الجزء الأيسر من الدماغ أكثر من الأيمن أو العكس وقد يكون بعضكم يعتقد بصحة هذه النظرية أيضاً، وعلى الأرجح البعض منا قد تعرض من قبل لأختبارات على الانترنت الغرض منها تحديد ما إذا كنت تستخدم الجزء الأيمين أو الأيسر من دماغك.

ونظراً للشهرة الكبيرة التي تحظى بها هذه الفكرة قد تفاجئ عندما تعلم أن هذه مجرد خرافة أخرى من الخرافات الكثيرة المنتشرة عن الدماغ البشري.


إذاَ ما هي هذه النظرية؟
صورة توزع المهام بالدماغ

وفقاً لنظرية سيطرة الجزء الأيمن أو الأيسر من الدماغ، كل جزء من الدماغ يتحكم في أنواع مختلفة من التفكير لهذا هناك أشخاص تفضل وتبرع في نوع معين من التفكير على الاخر. على سبيل المثال، الشخص الذي يستخدم الجزء الأيسر من الدماغ يقال انه يتميز في التفكير المنطقي والتحليلي وموضوعي بينما يتميز الشخص الذي يستخدم الجزء الأيمن من الدماغ بأنه حدسي وعميق التفكير وغير موضوعي.

في علم النفس نجد ان هذه النظرية مبنية على ما يعرف بنظرية التخصيص الجانبي لوظائف الدماغ (lateralization)، إذاً هل بالفعل كل جزء من الدماغ يتحكم في وظائف معينة؟، هل يستخدم الشخص إما الجزء الأيمن من دماغه أو الأيسر؟، مثل معظم خرافات علم النفس المنتشرة نشأت هذه النظرية الخاطئة بسبب ملاحظات عن الدماغ البشري تم تشويهها والمبالغة فيها بشكل كبير مع مرور الزمن. لنلقي نظرة في البداية على ما تقترحة هذه النظرية.


النصف الأيمن
وفقاً للنظرية نجد
أن النصف الأيمن من الدماغ يكون أفضل في المهام الابداعية والتعبيرية، بعض القدرات المصحوبة بالجزء الأيمن من الدماغ تتضمن:

    * التعرف على الوجوه
    * التعبير عن المشاعر
    * الموسيقى
    * فهم وادراك المشاعر
    * الألوان
    * الصور
    * الحدس وسرعة البديهة
    * الإبداع

النصف الأيسر
النصف الأيسر من الدماغ وفقا للنظرية يعتبر ماهر في المهام التي تتضمن المنطق، اللغة والتفكير التحليلي، ويوصف الجزء الأيسر بتفوقة في القدرات التالية:

    * اللغة
    * المنطق
    * التفكير النقدي
    * الأرقام
    * الإستنتاج

نظرية النصف الأيمن والأيسر من الدماغ ظهرت بفضل أعمال (Roger W. Sperry) الذي حاز على جائزة نوبل في عام 1981، بينما كان يدرس ويبحث اثار داء الصرع اكتشف روجر أن قطع الجِسْمُ الثَّفَنِيُّ (corpus collosum) (مجموعة من الألياف العصبية التي تربط نصفي الدماغ ببعضهما البعض) يمكن أن يُقلل ويمنع نوبات الصرع.

للتوضيح، في بعض حالات الصرع الشديدة يلجأ الأطباء إلى قطع جزء كبير من نصف الدماغ الذي تبدأ منه نوبات الصرع كحلٍ أخير, ومع مرور الوقت يملأ السائل الدماغي ذلك الفراغ مرة أخرى وقد يلزم المريض سنة أو أكثر إلى أن يتعافى ويصبح طبيعياً مرة أخرى وهذا ما يدفع العلماء ويدفعنا في الواقع للتساؤل عن فائدة النصف الذي تم استئصالة من البداية؟!.

على كل حال ظهرت على المرضى اعراض اخرى بعد أن تم قطع خط الإتصال بين نصفي دماغهم. على سبيل المثال، وجد أن العديد من المرضى فقدوا القدرة على معرفة أسماء أشياء يتم معالجتها والتفكير فيها باستخدام النصف الأيمن من الدماغ ولكن كانت لديهم القدرة على معرفة أسماء الأشياء التي يتم التفكير فيها بالنصف الأيسر من الدماغ. وبناءاً على هذه المعلومات والملاحظات استنتج روجر ان اللغة مثلاً يتم التحكم بها عن طريق نصف الدماغ الأيسر.

وفي منتصف القرن الثامن عشر اكتشف الطبيب (Paul Broca) منطقة أساسية في النصف الأيسر من الدماغ وذكر انها مسؤولة عن اللغة، أي تلف أو عبث في منطقة بروكا كما يطلق عليها اليوم سوف ينتج عنه شخص غير قادر على التحدث وقد رأيت هذه الحالة تحديداً حيث كان الطبيب يقوم بتعريض تلك المنطقة لشحنة كهربائية طفيفة تفقد الشخص الذي امامه القدرة على النطق مؤقتاً حتى يقوم برفع يده مرة اخرى، الشئ المدهش هو ان نفس المنطقة في النصف الاخر من الدماغ ليس لها أي تأثير على الإطلاق.

منطقة اخرى مسؤولة عن التعرف على الوجوه ونجدها في الجزء السفلي من الدماغ، النصف الأيمن من هذه المنطقة يقوم بمعظم العمل اللازم للتعرف على الأوجه، في الواقع لو لو نظرت لوجه شخص ما بالعين اليسرى فقط (المرتبطة بالجزء الايمن من الدماغ) ستتمكن من التعرف على وجهه افضل بكثير مما اذا استخدمت العين اليمنى فقط.

تلى هذا الأمر بعد ذلك أبحاث ودراسات أظهرت ان الدماغ ليس في الواقع جسم ثنائي كما يبدو. على سبيل المثال، دراسة حديثة أظهرت ان قدرة الأنسان على القيام بانشطة معينة مثل الرياضيات تكون في أكفأ حالاتها عندما يستخدم نصفي دماغه في نفس الوقت. اليوم يدرك علماء المخ والأعصاب جيداً أن نصفي الدماغ يعملان معاً لإنجاز العديد من المهام والوظائف وان كلاهما يتصلان ببعضهما البعض من خلال الجسم الجاسئ.

يقول كارل زيمر في مقال نشر في مجلة ديسكفري “بغض النظر عن درجة التخصصية الثنائية الموجودة في الدماغ فكلا نصفيه يعملان معاً وجنباً إلى جنب، نظرية النصف الأيمن والأيسر من الدماغ لا تعطي التصور الصحيح لعلاقة العمل الحميمية بين نصفي الدماغ، النصف الايسر من الدماغ متخصص في إلتقاط الأصوات التي تتشكل منها الكلمات وترجمتها للمعنى الحرفي المقابل لها على سبيل المثال، ولكن ليس لديه قدرة على المعالجة اللغوية. النصف الأيمن من الدماغ في الواقع أكثر حساسية وادراكاً للمشاعر التي تتضمنها وتحملها اللغة والكلمات.
صورة تعبيرية
في دراسة اخرى قام بها باحثون من جامعة يوتا، اكثر من 1000 مشارك تم تحليل ادمغتهم بغرض معرفة ما اذا كان احدهم يميل لإستخدام احد نصفي الدماغ اكثر من الأخر، وكشف الدراسة عن ان بينما قد يكون النشاط مرتفع في بعض الاحيان في مناطق مهمة من الدماغ ولكن كلا نصفي الدماغ كانا متساويان من حيث النشاط في المتوسط. ويقول الدكتور جيف أندرسون المشرف على الدراسة “أنه صحيح قطعاً ان بعض وظائف الدماغ تحدث في احد نصفي الدماغ دون الأخر، اللغة تحدث في الجزء الأيسر، والإنتباه والتركيز يحدث في الجزء الأيمن، ولكن الناس لا تصنف اجمالاً بحسب استخدام الجزء الأيسر أو الأيمن من الدماغ”.

في فترة التسعينات من القرن المنصرم أدعى عالم النفس (Michael Corballis) أن عدم التماثل بين نصفي الدماغ (أو التخصصية الوظيفية) يعد من أهم مراحل تطور البشر وهي المزية التي ساهمت في حصولنا على اللغة والقدرات العقلية الأخرى التي تميزنا عن باق الكائنات، اليوم يعترف مايكل انها كان على خطأ وان التخصصية الوظيفية لنصفي الدماغ ليست حكراً على البشر، الببغاء مثلاً يفضل ان يلتقط الاشياء بقدمه اليسرى، الضفدع يهاجم الضفادع الأخرى من الجهة اليمنى بينما يطارد فريسته من الجهة اليسرى، السمك الوحشي يفضل ان ينظر للأشياء الجديدة بعينه اليمنى بينما ينظر للأشياء المألوفة بالعين اليسرى.
صورة تعبيرية
احد الفرضيات تقترح أن التخصصية الوظيفية لنصفي الدماغ أفضل من أن يكون نصفي الدماغ مجرد انعكاس لبعضهما البعض ويقومان بنفس الوظائف في نفس الوقت وعوضاً عن ذلك يمكن لأحد النصفين أن يقوم بوظيفة ما ليترك النصف الاخر للقيام بمهمة أخرى.

عالمة الأحياء (Lesley Rogers) اختبرت هذه الفرضية على الدجاج، إذ يستخدم الدجاج النصف الأيسر من الدماغ للنقر والبحث عن البذور ويستخدم النصف الأيمن لمراقبة المفترسين، بعض الدجاج يتميز بتخصصية وظيفية في الدماغ اكثر من البعض الاخر وهناك طريقة بسيطة لزيادة تلك التخصصية الوظيفية من خلال تعريض جنين الدجاجة للضوء أثناء وجوده في البيضة، جنين الدجاج يتطور في الغالب وعينة اليسرى مطوية للداخل بينما تكون العين اليمنى معرضة للجزء الخارجي من قشرة البيضة، من خلال تعريض واثارة العين اليمنى بالضوء يمكن التأثير على تطور ونمو النصف الأيسر من الدماغ وليس الأيمن. قامت ليزلي وزملائها بتربية 27 من صغار الدجاج الذين تم تعريضهم للضوء و24 اخرين لم يتم تعريضهم للضوء، كل يوم يقوم الباحثون بوضع الفراخ الصغيرة في صندوق خاص به بذور وحصى مبعثرة على ارضيته وفي نفس الوقت يقوموا بتشتيت الفراخ بتمرير دمية على شكل صقر من فوق رؤوسهم ثم لاحظوا بعد ذلك كيف قدرة الفراخ الصغير على التمييز بين البذور والحصي وتوصلوا الى ان الفراخ التي تعرضت للضوء كان ادائها افضل من الاخرى، واستنتج الفريق من ذلك ان التخصصية الوظيفية الزائدة التي اكتسبتها الفراخ وفرت لها تعددية في المهام إذ أصبح بإمكانها استخدام كل عين بشكل منفصل وبكفاءة من أجل مراقبة الصقر والتمييز بين البذور والحصى.
صورة تعبيرية
والدراسات والأبحاث كثيرة في الواقع ويصعب علينا ذكرها جميعاً في هذا المقال ولكن علماء الأعصاب يعلمون اليوم جيداً أن نصفي الدماغ يعملون يداً بيد ويتصلان ببعضهما من خلال الجسم الثفني (الجاسئ ) الذي ذكرناه ولكن طريقة التعاون التي تتم بينهما هي التي لا نعلمها تماماً، ربما تتبادل الأجزاء المتشابهة الادوار فيما بينهما ليسيطر احدهما فترة قم يسيطر الجزء الأخر كما يحدث في بعض الحيوانات مثل الدلافين مثلاً التي تستخدم هذه التقنية من اجل النوم والسباحة في نفس الوقت بعض العصافير تستخدم نفس الاستراتيجية من أجل الغناء ويعمل نصفي دماغها بالتبادل من أجل التحكم في الرئتين اثناء الغناء إذ يتحكم كل نصف منهما لأجزاء بسيطة من الثانية ليستلم النصف الثاني التحكم.

ولعل أشد ما يثير الدهشة والتعجب قدرة الدماغ على العمل بنصف دماغ واحد فقط، بعد أن يتم اجبار أحد نصفي الدماغ على استلازم زمام الامور بمفردة بعد استئصال النصف الأخر يبدأ في مد خطوط اتصال جديدة واعادة بناء نفسه بحيث يمكنه التحكم الكامل في الجسم، في الواقع نصفي الدماغ يمكن أن يتسببا في مشاكل أكثر من نصف واحد لو كانت هناك صعوبة في الإتصال بينهما وهناك بعض علماء الاعصاب الذي ربطوا بين اضطرابات نفسية مثل عسر القراءة أو امراض شديدة مثل ألزهايمر بمشاكل الإتصال بين النصف الأيسر والأيمن من الدماغ.

 

إذاً لماذا لا يزال الناس يتحدثون عن هذه النظرية؟
الباحثون والدراسات المختلفة أثبتت بالفعل أن نظرية النصف الأيمن والأيسر من الدماغ مجرد حقيقة خاطئة، ومع ذلك لازالت هذه النظرية متداولة وتحظى بشعبية كبيرة بين الناس والوسائل الإعلامية المختلفة، لسوء الحظ معظم الناس لا يدركون ان هذه النظرية قديمة جداً. اليوم، قد يدرس الطلاب هذه النظرية كجزء تاريخي متعلق بمجالهم ليس أكثر لفهم كيف تطورت أفكارنا ونظرياتنا حول طريقة عمل الدماغ عبر الزمن. ادراك نقاط قوتك وضعفك بعيداً عن مبالغات وتعميم كتب علم النفس وتطوير الذات يمكن ان يساعدك على التعلم بشكل أفضل والشئ المهم الذي يجب ان تتذكرة إذا تعرضت لأحد اختبارات تحديد ما اذا كنت تستخم النصف الأيمن او الأيسر من دماغك على الانترنت هو انها للترفية ولا يجب ان تعول كثيراً على نتائجها.

 

المصدر : عالم الابداع

   
   
 
الوسوم: الدماغ


لا يوجد تعليقات
 
الاسم
البريد الالكتروني
التعليق
500حرف