منذ أن أعلن ألبرت أينشتاين نظريته النسبية العامة مطلع القرن العشرين، تغيّر فهم الإنسان للكون جذرياً. فقد اندمج الزمان والمكان في كيانٍ واحدٍ يُعرف بـ«الزمكان»، يشكّل المسرح الذي تقع عليه كل أحداث الكون.
لكن في السنوات الأخيرة، برز اتجاهٌ علميّ جديد يطرح سؤالاً جريئاً: هل الزمكان موجود فعلاً… أم أنّه مجرّد وصفٍ رياضيّ لا أكثر؟
الكون ليس مسرحاً للأحداث… بل هو الحدث نفسه
تُشير أطروحات فيزيائية معاصرة إلى أنّ الزمكان ليس «نسيجاً» مادياً كما نتخيله، بل هو تصوّرٌ ذهنيّ وُضع لتنظيم علاقتنا بالأحداث، فهو منطق رياضي أو إطار تصوّري يربط الأحداث ببعضها، تماماً كما تربط خطوط الطول والعرض على خريطة الأرض المدن والبحار، دون أن تكون تلك الخطوط موجودة فعلاً في الطبيعة.
فبدلاً من أن تكون الأشياء موجودة داخل فضاءٍ وزمنٍ مستقلَّين، يقترح هذا التصوّر أنّ الكون نفسه هو شبكة من الأحداث المتفاعلة، وأنّ الزمان والمكان ليسا سوى نتاجٍ لهذه التفاعلات.
أي أنّ الواقع الحقيقي ليس «في» الزمان والمكان، بل الزمان والمكان هما ما ينشأ من الواقع ذاته.
بين الفلسفة والفيزياء
تلتقي هذه الرؤية مع نقاشٍ فلسفيٍّ عريقٍ حول طبيعة الوجود والزمن:
أما الفرضية الجديدة، فترى أنّ كلا التصورين قاصران؛ فالوجود لا يتوزع على أزمنةٍ متعاقبة، بل يتجلّى في حدثٍ مستمرٍّ متحوّلٍ بلا بدايةٍ ولا نهاية.
نتائج مدهشة... وصادمة
إذا كان الزمكان وهماً إدراكياً، فإنّ كثيراً من المفاهيم الأساسية في الفيزياء تحتاج إلى إعادة نظر:
-
لا وجود حقيقياً لـ«الماضي» أو «المستقبل»، فكلّ ما هنالك هو تغيّرٌ مستمرٌّ للحالة الكونية.
-
السببية قد لا تكون خطّاً زمنياً من السبب إلى النتيجة، بل شبكة من الأحداث التي تتشارك في تكوين بعضها البعض.
-
حتى الجاذبية — كما وصفها أينشتاين بانحناء الزمكان — قد تكون ظاهرةً مشتقّة من شيءٍ أعمق لا يعتمد على «نسيج» زماني أو مكاني.
بين الكمّ والنسبية... الصدع الكبير
هذا الطرح لا يهدف إلى نفي العلم، بل إلى معالجة تناقضٍ مزمن بين نظريتين عظيمتين:
من هنا، يرى بعض الفيزيائيين أنّ إزالة مفهوم «الزمكان» من المعادلة قد تكون الخطوة الأولى لتوحيد هاتين الرؤيتين المتعارضتين في نظريةٍ شاملة للطبيعة.
خاتمة: نحو إعادة تعريف الوجود
إذا لم يكن الزمكان شيئاً قائماً بذاته، فربما علينا إعادة صياغة أبسط أسئلتنا حول الواقع.
بدلاً من أن نسأل:
«في أي زمان ومكان يحدث الشيء؟»
قد يكون السؤال الأعمق هو:
«كيف يحدث الشيء، ومع ماذا يحدث؟»
الكون — بحسب هذه الرؤية — ليس لوحةً ثابتة تُعرض أمامنا، بل عمليةٌ حية لا تتوقف عن الحدوث.
إنه الحدث الأعظم الذي يولد ذاته في كل لحظة.