كيف حوّل مصادم الهدرونات الرصاص إلى ذهب؟
2025-10-12

ترجمة

 

لطالما أسر حلم تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب خيال البشر وحلم الخيميائيين عبر العصور. اليوم، ومع تطور الفيزياء النووية واستخدام مسرّعات الجسيمات فائقة الطاقة، اقترب العلماء من تحقيق هذا الحلم على المستوى الجزيئي، وإن كان بطرق تختلف جذرياً عن دفاتر الشعوذة القديمة. في هذا المقال نعرض خلفية هذا الإنجاز، تفاصيل التجربة، أهم النتائج، التحديات العملية، وأفق الأبحاث المستقبلية.

 

الخلفية النظرية والتاريخية

  • منذ نشوء الفيزياء النووية في القرن العشرين، أصبح معروفاً أن العناصر يمكن أن تتحوّل إلى عناصر أخرى عبر تفاعلات نووية (إشعاع، قصف بالنيوترونات أو البروتونات).

  • لكن التحويل الكيميائي عبر تفاعلات كيميائية عادية (كما تصوّره الخيميائيون) مستحيل، لأن الخصائص الكيميائية تحكمها الإلكترونات، ولا يمكن تغيير عدد البروتونات بالكيمياء وحدها.

  • في تجارب قديمة، تم إنتاج نوى ذهب من بزموت أو عناصر أخرى بتعريضها إلى جسيمات عالية الطاقة، لكن الأداء كان ضئيلاً جداً (اقتصادياً غير مجدٍ).

  • في عام 2025، أعلنت تجربة ALICE في منظمة CERN عن رصد إنتاج نوى ذهب من الرصاص خلال تشغيلات LHC

 

تفاصيل التجربة وآليتها 

  1. نوع التصادم المستخدم: التصادم شبه المحوري (Ultra-Peripheral Collisions, UPC)
    في هذه التصادمات، لا تلامس نوى الرصاص بعضها البعض مباشرة، بل تمر بالقرب من بعضها في مدى قريب للغاية، بحيث تتفاعل حقولهما الكهرومغناطيسية. 

  2. التفكك الكهرومغناطيسي (Electromagnetic Dissociation)
    في هذه العملية، فوتونات عالية الطاقة تنشأ من مجال النواة المتحركة، وتتفاعل مع نواة الرصاص، فتؤدي إلى إثارة النواة، وانبعاث نترات من النيوترونات والبروتونات. إذا انبعثت ثلاث بروتونات، تتحول نواة الرصاص (82 بروتون) إلى نواة ذهب (79 بروتون). 

  3. الكشف والعدّ باستخدام أجهزة ZDC (Zero Degree Calorimeters)
    تُستخدم كواشف الزاويا الصفرية لقياس البروتونات والنيوترونات المنبعثة وتحديد الحالات التي أدّت إلى إنتاج ذهب أو ثاليوم أو زئبق. 

  4. النتائج الكمية والزمنية
    – خلال تشغيلات LHC في الفترة 2015 – 2018، تم إنتاج نحو 86 مليار نواة ذهبية موزعة عبر التجارب المختلفة. 
    – لكن الكتلة المحسوبة لهذه النوى لا تتجاوز حوالي 29 بيكوغرام.
    – النوى الذهبية الناتجة تتحطم أو تُفكك بسرعة جداً عند اصطدامها بمكونات المسرّع، حيث لا يمكن التقاطها أو تجميعها. 

 

المنافع العلمية والتحديات

المنافع العلمية

  • اختبار نماذج التفكك الكهرومغناطيسي بدقة أعلى، وتحسين فهم التداخل بين الحقول الكهرومغناطيسية والنوى.

  • المساعدة في التنبؤ بخسائر الحزم (beam losses) في المعجّلات، والذي يمثل عاملاً هاماً في كفاءة الأداء والتصميم المستقبلي للمسرّعات. 

  • توسيع المعرفة حول التفاعلات النووية في ظروف مماثلة لتلك التي عاشت في الكون البدئي.

التحديات والقيود العملية

  • الكمية غير مجدية تجارياً: الكتلة المنتجة ضئيلة جداً بحيث لا تشكّل ذرة ذهب يمكن لمسها أو بيعها.

  • زمن حياة قصير جداً: النوى الذهبية الناتجة لا تستمر طويلاً في الحالة مستقرة قبل أن تتفكك.

  • تكلفة الطاقة والمعدات: تشغيل مصادمات الجسيمات وتوفير الشروط المناسبة مكلف للغاية.

  • صعوبة التقاط وتجميع النوى: حتى لو وُجدت نوى مستقرة، فإن فصلها وتجميعها ضمن وسط خالٍ من التأثيرات يكاد يكون مستحيلاً عملياً في هذه الظروف.

 

السياق في تاريخ الخيمياء والتصور العام

من المنظور الرمزي، يُشاد بهذا الإنجاز باعتباره تحققاً “حديثاً” لحلم الخيميائيين، ولكن مع فارق جوهري: التحويل يحدث على المستوى النووي بدلاً من الكيميائي، وتحت ظروف فيزيائية عالية الطاقة. لا يمكن لأي شخص أن يذهب إلى CERN ويبدأ “غلي الزئبق بالزئبق” ليصنع ذهباً — ذلك الحلم لا يزال خارج نطاق التطبيق العملي.

 

خاتمة وأفق المستقبل

إن تجربة ALICE التي رصدت تحويل الرصاص إلى ذهبيات دقيقة تُعد شهادة على تقدم قدرتنا على دراسة التفاعلات النووية الدقيقة. لكنها لا تمثل إرهاصاً لثورة صناعية في صنع الذهب. المستقبل قد يحمل تحسينات في تكنولوجيا الكواشف أو تقنيات الاستقرار، وقد تُفتح آفاق جديدة في فيزياء النوى أو المسرّعات، لكن تحقيق تحويل اقتصادي عملي من المعادن الرخيصة إلى عناصر نفيسة يظل تحدياً بعيد المنال.

 

   
   
2025-10-12  


لا يوجد تعليقات
الاسم:
البريد الالكتروني:
التعليق:
500حرف