منذ فجر التاريخ، رفع الإنسان بصره إلى السماء محاولاً فهم أسرارها وربطها بحياته على الأرض. ومن بين أبرز المحاولات التي تركت أثراً عميقاً في الثقافة الإنسانية فكرة الأبراج المرتبطة بتاريخ الميلاد، تلك التي لا تزال حاضرة في الصحف والمجلات ووسائل الإعلام حتى يومنا هذا.
الجذور البابلية
نشأت فكرة الأبراج في بابل القديمة قبل أكثر من 2500 عام. فقد لاحظ البابليون أن الشمس والقمر والكواكب تتحرك في مسار محدد عبر السماء، هو ما نعرفه اليوم بـ دائرة البروج (Zodiac). ولتسهيل دراسة هذا المسار، قسّموه إلى 12 قسماً متساوياً، كل منها يمتد نحو 30 درجة من الدائرة الكاملة. ربط البابليون هذه الأقسام بصور رمزية مستوحاة من النجوم البارزة في السماء، مثل الأسد والجوزاء والعقرب.
من بابل إلى اليونان والرومان
انتقلت الفكرة لاحقاً إلى اليونانيين الذين صاغوا الكثير من الأساطير حول الأبراج وربطوها بآلهتهم وقصصهم، ثم ورثها عنهم الرومان، لتترسخ في الثقافة الغربية وتنتشر مع مرور الزمن عبر الحضارات المختلفة. ومن هنا بدأت علاقة الأبراج بتاريخ الميلاد: فكل شخص يولد في فترة مرور الشمس ضمن أحد هذه الأقسام يُقال إنه ينتمي إلى ذلك البرج.
الفكرة الأساسية
يعتمد النظام التقليدي للأبراج على موقع الشمس في دائرة البروج لحظة ميلاد الإنسان. فإذا كانت الشمس مثلاً تمر في مقطع برج "الأسد" في أواخر يوليو وبدايات أغسطس، فإن مواليد تلك الفترة يُعدّون من برج الأسد. وهكذا مع باقي الأبراج الاثني عشر.
من الفلك إلى التنجيم
مع مرور القرون، ابتعدت الأبراج عن كونها مجرد تقسيم فلكي لتصبح جزءاً من علم التنجيم، الذي حاول الربط بين مواقع النجوم والكواكب وبين مصائر الناس وصفاتهم الشخصية. وقد حظي هذا الاعتقاد بانتشار واسع، حتى أصبح تقليداً شعبياً تتوارثه الأجيال.
العلم الحديث وموقفه
يرى العلماء اليوم أن التنجيم لا يستند إلى أساس علمي، خاصة مع ظاهرة تقدّم الاعتدالين، التي أدت إلى تغيّر مواقع النجوم بالنسبة للأرض عبر آلاف السنين. هذا يعني أن الأبراج الفلكية الحقيقية لم تعد تتطابق مع الأبراج التقليدية المرتبطة بتاريخ الميلاد. أما علم الفلك (Astronomy)، فهو علم مستقل يعتمد على الملاحظة والبحث والتجريب، ولا يربط بين مواقع النجوم وحياة الإنسان اليومية.
البعد الثقافي
ورغم غياب الأساس العلمي، ما زالت الأبراج تحتل مكانة لافتة في الثقافة الشعبية والإعلام. فالكثيرون يجدون في قراءة أبراجهم نوعاً من التسلية أو البحث عن بصيص أمل أو معنى في أحداث الحياة اليومية. وهنا تكمن قوة الأبراج: ليس في صدقيتها العلمية، بل في حضورها الثقافي الممتد منذ آلاف السنين.
خلاصة:
الأبراج ليست سوى انعكاس لمحاولة الإنسان القديمة لفهم السماء وربطها بحياته. وما بين البابلية واليونانية والرومانية وصولاً إلى حاضرنا، ظلت الأبراج جسراً يربط بين الفلك والثقافة، بين العلم والأسطورة، وبين حاجة الإنسان الدائمة للبحث عن معنى في الكون الواسع.