يُعَدُّ الماء شريان الحياة لكل كائن حي، ولعلّ الأشجار من أكثر الكائنات اعتماداً عليه، إذ تدخل كل قطرة تُسقى بها في دورة معقدة تبدأ من الجذور وتنتهي إمّا في نسيج النبات أو في الهواء أو في أعماق التربة. لكن الحقيقة أن جزءاً كبيراً من المياه التي نروي بها أشجارنا لا تستفيد منه الأشجار مباشرة، بل يضيع بأشكال مختلفة، ما يطرح تساؤلاً مهماً: كيف نستطيع تقليل الفاقد من الماء وضمان الاستدامة؟
مصير مياه الريّ
عند ري شجرة واحدة بكمية من الماء، تتوزع هذه الكمية على عدة مسارات:
-
امتصاص الجذور (الاستخدام المفيد):
ما بين 20 – 40% فقط من الماء يُستفاد منه مباشرة في العمليات الحيوية للشجرة، مثل البناء الضوئي والنمو ونقل العناصر الغذائية.
-
التسرب العميق:
نسبة قد تصل إلى 30 – 50%، حيث تتغلغل المياه أسفل منطقة الجذور دون أن تصل إليها، خصوصاً في التربة الرملية أو عند الإفراط في الري.
-
الجريان السطحي:
ما يقارب 5 – 20% من الماء يضيع عندما تكون الأرض غير مستوية أو عند الري الغزير، إذ ينزلق الماء بعيداً عن منطقة الجذور.
-
التبخر من سطح التربة:
يتراوح بين 10 – 30% من الماء، ويزداد في الأجواء الحارة الجافة أو عند الري في أوقات الذروة الشمسية.
-
النتح:
وهو جزء من دورة الماء الطبيعية في النبات، حيث يخرج عبر الأوراق في صورة بخار، لكنه ليس هدراً، بل عملية ضرورية لتبريد النبات ونقل الأملاح.
كيف نقلل الهدر ونحافظ على الماء؟
لضمان الاستفادة المثلى من كل قطرة ماء، يمكن اتباع مجموعة من الممارسات العملية:
-
استخدام طرق الري الحديثة:
مثل الري بالتنقيط، الذي يوصِّل الماء مباشرة إلى منطقة الجذور، ويقلل التسرب العميق والتبخر.
-
الري في الأوقات المناسبة:
يُفضَّل الري في الصباح الباكر أو عند الغروب لتقليل الفاقد بالتبخر.
-
تغطية التربة (Mulching):
وضع طبقة من المواد العضوية أو البلاستيكية حول جذع الشجرة يقلل تبخر الماء ويحافظ على رطوبة التربة.
-
تسوية الأرض وتحسين التربة:
يساعد ذلك في تقليل الجريان السطحي ويزيد من كفاءة الامتصاص.
-
الري حسب الحاجة لا العادة:
قياس رطوبة التربة أو مراقبة حالة النبات أفضل من الري العشوائي، لتفادي الإفراط في استخدام الماء.
نحو استدامة مائية
الماء مورد ناضب يزداد الطلب عليه يوماً بعد يوم مع تغيّر المناخ وزيادة النمو السكاني. وبالتالي فإن تحسين كفاءة الري لا يعني فقط تقليل فاتورة المياه أو زيادة إنتاجية النباتات، بل هو جزء من مسؤولية بيئية كبرى تهدف إلى الحفاظ على هذا المورد الحيوي للأجيال القادمة.
فالاستدامة تبدأ من أبسط الممارسات: من طريقة نروي بها شجرة في حديقة منزلية، إلى سياسات وطنية لإدارة المياه. وكل قطرة نوفرها اليوم، هي استثمار في الغد.