كشفت دراسة نُشرت في مجلة The Journal of Physical Chemistry Letters عن ظاهرة مثيرة تتمثل في انبعاث فوتوني حيوي ضعيف للغاية من معظم الكائنات الحية، بما في ذلك الإنسان، وهو توهّج خافت يصدر باستمرار أثناء الحياة ويختفي تقريباً مباشرة بعد الموت. ويُعدّ هذا الاكتشاف واعداً في مجالات الطب والبيئة، إذ قد يُسهم مستقبلاً في تتبع الحالة الصحية للغابات أو الكشف المبكر عن الأمراض لدى البشر.
ظلّ موضوع هذا التوهج محل جدل علمي لسنوات طويلة، إلى أن أصبح يُفسَّر اليوم بما يُعرف بـ"الانبعاث الفوتوني الضعيف"، وهو ناتج عن تفاعلات كيميائية داخل الميتوكوندريا، حيث تفقد الجزيئات طاقتها أو تكتسبها، مما يؤدي إلى إطلاق بضعة فوتونات في الثانية لكل سنتيمتر مربع من الأنسجة الحية. وتُعرف هذه الفوتونات باسم "الفوتونات الحيوية"، ويصعب رصدها بسبب ضعفها الشديد وتداخلها مع مصادر الضوء الأخرى، مثل الإشعاع الحراري من الأجسام الدافئة.
وفي تجربة أُجريت بجامعة "كالغاري" الكندية، تمكن فريق بحثي بقيادة البروفيسور دان أوبلاك من رصد هذه الفوتونات وتتبع سلوكها بعد وفاة الكائن الحي. واستخدم الباحثون كاميرات رقمية فائقة الحساسية قادرة على التقاط الفوتونات المفردة، حيث تم تصوير أربعة فئران عديمة الشعر لمدة ساعة قبل الوفاة وساعة بعدها، داخل صندوق مظلم وبيئة حرارية مستقرة لتجنّب أي تداخلات ضوئية أو حرارية.
وأظهرت النتائج انخفاضاً ملحوظاً في انبعاث الفوتونات الحيوية من أجسام الفئران بعد الوفاة، ما يدعم الفرضية بأن هذا الانبعاث مرتبط مباشرة بالأنشطة الحيوية في الخلايا.
وعلّق الدكتور ألاسدير ماكنزي، خبير الكيمياء الحيوية في مركز تكنولوجيا الليزر بجامعة "أكسفورد"، قائلاً: "ليس من المستغرب أن يتوقف انبعاث الفوتونات الحيوية عند الموت، فهي نتيجة ثانوية لعمليات الأيض الخلوي. وقد سبق أن رُصدت هذه الظاهرة على مستوى الخلايا المفردة أو أجزاء محدودة من الجسم، إلا أن توثيقها على مستوى كائن حيّ كامل يُعد سابقة علمية". وأضاف: "نظراً لأن الفريق البحثي استبعد جميع مصادر الضوء الأخرى بدقة، يمكننا أن نؤكد أن ما رُصد هو بالفعل فوتونات حيوية".
من جانبه، أوضح الدكتور ميخائيل تسيفرا، رئيس قسم البصريات والإلكترونيات في أكاديمية العلوم التشيكية، أن اختفاء هذه الفوتونات بعد الموت يعود في المقام الأول إلى توقف الدورة الدموية، حيث إن الدم المشبع بالأكسجين يُعد عنصراً أساسياً في عملية الأيض. وأشار إلى أنه في حال استمرار الدورة الدموية عبر دعم اصطناعي، فإن الانبعاث الضوئي قد يستمر.
وتُعد هذه التقنية واعدة في استخدامات متعددة، إذ من الممكن مستقبلاً أن تُوظف في فحص الأنسجة الحية بطريقة غير جراحية، أو في مراقبة صحة الغابات ليلاً عبر الاستشعار عن بُعد.