أعلن علماء معهد هيفي للعلوم الفيزيائية عن تحقيق قفزة نوعية في أبحاث الطاقة الاندماجية، حيث نجح مفاعل "توكاماك" الفائق التوصيل التجريبي في تسجيل رقم قياسي عالمي لأطول فترة بلازما مستدامة، معززاً الآمال في تحقيق حلم البشرية بمصدر طاقة مستدام ونظيف.
بلازما مستدامة لأكثر من 17 دقيقة.. رقم قياسي عالمي جديد
خلال التجربة الأخيرة، تمكن المفاعل من الحفاظ على البلازما لمدة 1066 ثانية، أي ما يعادل أكثر من 17 دقيقة متواصلة. هذا الإنجاز يفوق الرقم القياسي السابق المسجل في عام 2023، والذي بلغ 403 ثوانٍ فقط. بفضل هذا التقدم، أصبح العلماء على بعد خطوة أقرب من تحقيق استقرار البلازما المطلوب لتوليد طاقة اندماجية قابلة للتطبيق عملياً.
درجة حرارة تفوق الشمس بأضعاف
على الرغم من عدم الكشف عن درجة حرارة البلازما في التجربة الأخيرة، فإن التجارب السابقة باستخدام المفاعل نفسه أظهرت إمكانية الوصول إلى درجات حرارة تصل إلى 120 مليون درجة مئوية. للمقارنة، تبلغ درجة حرارة لب الشمس حوالي 15 مليون درجة مئوية، مما يجعل البلازما داخل المفاعل أكثر سخونة بثماني مرات على الأقل. هذه الحرارة الهائلة ضرورية لمحاكاة ظروف الاندماج النووي التي تحدث داخل النجوم.
أهمية التجربة في مستقبل الطاقة
بحسب علماء معهد هيفي للعلوم الفيزيائية، يمثل هذا الرقم القياسي الجديد علامة فارقة في تطوير الطاقة الاندماجية. القدرة على الحفاظ على البلازما لأكثر من 1000 ثانية تعني أن العلماء يقتربون من تحقيق شرط أساسي لنجاح تكنولوجيا الطاقة الاندماجية، وهو الدوران المستدام للبلازما ذاتياً. هذا الاستقرار مهم لضمان إنتاج طاقة مستمر وفعال، مما يمهد الطريق لتشغيل مفاعلات اندماجية قادرة على تزويد شبكات الكهرباء بالطاقة بشكل منتظم.
ما هو مفاعل "الشمس الاصطناعية"؟
تم بناء هذا المفاعل المتطور في عام 2006 ويُطلق عليه اسم "الشمس الاصطناعية"، نظراً لتقنياته التي تحاكي عمليات الاندماج النووي التي تحدث في نوى النجوم. يهدف هذا المشروع الطموح إلى توفير مصدر طاقة نظيف ومستدام يخلو من الانبعاثات الكربونية الضارة، مما يجعله خياراً مثالياً لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري ومكافحة تغير المناخ.
كيف تعمل "الشمس الاصطناعية"؟
يعتمد مفاعل "توكاماك" على تقنية متقدمة لتوليد البلازما، وهي حالة رابعة من المادة تتكون عندما يتم تسخين الغازات إلى درجات حرارة عالية جداً، مما يؤدي إلى تأين الذرات. في هذه الحالة، يتم حصر البلازما باستخدام مجالات مغناطيسية قوية تمنعها من ملامسة جدران المفاعل. هذا الحصر المغناطيسي يُعد التحدي الأكبر، حيث يتطلب تحقيق استقرار طويل الأمد للبلازما دقة هندسية وتقنيات متطورة للغاية.
الطاقة الاندماجية.. حلم المستقبل
الطاقة الاندماجية تمثل حلاً واعداً لأزمة الطاقة العالمية، حيث تعتمد على دمج نوى الهيدروجين لتكوين الهيليوم، وهي عملية تُطلق كميات هائلة من الطاقة دون إنتاج نفايات مشعة طويلة الأمد. بعكس الانشطار النووي المستخدم في محطات الطاقة النووية الحالية، الاندماج النووي أكثر أماناً وأقل تأثيراً على البيئة.
التحديات المستقبلية
رغم الإنجاز الكبير لا تزال هناك تحديات كبيرة أمام العلماء قبل أن تصبح الطاقة الاندماجية قابلة للتطبيق تجارياً. تتطلب هذه التكنولوجيا تكلفة عالية في تطوير المواد القادرة على تحمل الحرارة والضغط العاليين، بالإضافة إلى إنشاء أنظمة تبريد وحصر مغناطيسي فعالة.
نظرة مستقبلية
مع التقدم الذي حققته الصين في هذا المجال، يبرز مفاعل "الشمس الاصطناعية" كمثال على الطموح البشري في التغلب على التحديات العلمية والتقنية. وإذا تم تحقيق اختراقات إضافية في هذا المجال، فقد نشهد في العقود المقبلة تحولاً جذرياً في طريقة إنتاج الطاقة، مما سيغير مستقبل البشرية بأسره.
ختاماً، هذا الإنجاز الجديد ليس مجرد رقم قياسي، بل هو خطوة حاسمة نحو تحقيق الحلم الأكبر: طاقة نظيفة ومستدامة تُضيء مستقبل الأرض.