تاريخ اكتشاف القهوة
2025-01-19

ترجمة

 

القهوة ليست مجرد مشروب دافئ يرافقنا في صباحاتنا، بل هي رمز للثقافات، وعلامة على الترابط بين الحضارات. تطورت القهوة من بذور بسيطة اكتُشفت في أعماق إثيوبيا لتصبح جزءاً أساسياً من الحياة اليومية لمليارات البشر حول العالم. لكن القصة وراء هذه الحبوب الداكنة مليئة بالتفاصيل المثيرة والروايات المتنوعة.
 
البداية في إثيوبيا
يعود تاريخ القهوة إلى القرن العاشر وربما لوقت سابق حسب عدد من التقارير والأساطير المتعلقة بأول من استخدمها. ويعتقد أن الموطن الأصلي للقهوة كانت من إثيوبيا. وأقدم الأدلة المثبتة على شرب القهوة أو معرفة شجرة البن هي من القرن الخامس عشر في الأديرة الصوفية في اليمن. وبحلول القرن السادس عشر وصلت إلى بقية الشرق الأوسط وجنوب الهند وبلاد فارس وتركيا والقرن الأفريقي وشمال أفريقيا. ثم انتشرت القهوة إلى البلقان، وإيطاليا وبقية أوروبا إلى جنوب شرق آسيا ثم إلى الولايات المتحدة الأميركية
 
رحلة القهوة إلى اليمن
انتقلت القهوة من إثيوبيا إلى اليمن في القرن الخامس عشر، حيث بدأ الصوفيون باستخدامها خلال جلسات الذكر والعبادة لزيادة التركيز والنشاط. يُنسب الفضل في هذا الاكتشاف إلى الفقيه الصوفي علي بن عمر الشاذلي الذي عرف البن خلال رحلته إلى الحبشة. وبعد وفاته قبل أكثر من 600 عام، سُميت القهوة بـ"الشاذلية" تكريماً له. كما أن مدينة المخا اليمنية أصبحت مركزاً رئيسياً لتصدير القهوة، ومنها جاء اسم "موكا" الشهير.
 
الروايات المختلفة لاكتشاف القهوة
توجد عدة روايات حول كيفية اكتشاف القهوة. إحدى الروايات تحكي عن رجل يمني رأى قطعاناً من المواشي تنشط بعد تناول ثمار البن. وأخرى تقول إنه جرب مضغ حبوب البن أثناء الجوع، ولمّا وجدها مرة، قام بتحميصها ثم غليها بالماء، ليكتشف مذاقها الفريد وتأثيرها المنشط.
 
انتشار القهوة
انتقلت القهوة من اليمن إلى مكة والمدينة، ثم إلى القاهرة ودمشق. وسرعان ما أصبحت إسطنبول مركزاً رئيسياً لتجارة القهوة في العالم الإسلامي. ومع انتشارها، اكتسبت القهوة أسماء جديدة. من العربية انتقلت كلمة "القهوة" إلى التركية (كاهفي) ومنها إلى الهولندية (كوفي) والإنجليزية (Coffee).
 
لم يعرف العرب قديما القهوة التي نشربها اليوم، لكنهم عرفوا كلمة "القهوة" وكانوا يطلقونها على الخمر حتى اكتشفوا شراب البن في اليمن، فاستعاروا له هذا الاسم فذاع وانتشر في أرجاء العالم.
يقول الشاعر الجاهلي الأعشى الذي عاش قبل أكثر من 1400سنة:
نازعتُهم قُضُبَ الريحان متكئاً
وقهوةً مُزَّةً راووقها خَضِلُ.
 
 
القهوة في أوروبا والعالم
بحلول القرن الـ15، بدأت تظهر المقاهي في أنحاء الإمبراطورية العثمانية، ومن هناك انتشرت في ربوع أوروبا حيث أصبحت تلك المقاهي مراكز للحديث في التجارة والسياسة، فضلاً عن الأفكار الجديدة بشكلٍ عام. ورغم معارضة رجال الدين في البداية واعتبارها مشروباً مريباً، إلا أن البابا كليمنت الثامن تذوقها وأعجب بها، ما ساهم في قبولها وانتشارها. 
ويذهب بعض العلماء، ومنهم الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني الشهير يورغن هابرماس، إلى أنه لم يكن ليحدث تنوير بدون القهوة.
وبحسب هابرماس، أصبحت المقاهي "مراكز للنقد" خلال القرنين الـ17 والـ18 حينما بدأ الرأي العام يتشكل.
 
ويُعتقد أن العديد من رموز التنويريين كانوا من عشاق القهوة؛ وكان الفيلسوف الفرنسي فولتير يتناول ما يزيد على 72 كوباً من القهوة يومياً، ويقال أن الفيلسوف الفرنسي دنيس ديدرو اعتمد على القهوة في وضع موسوعته التي تقع في 28 جزءاً – والتي تعدّ أساساً للتنويريين، بحسب الكاتب الأمريكي مايكل بولان.
 
اليوم، تتصدر البرازيل، وفيتنام، وكولومبيا، وإندونيسيا، وهندوراس قائمة الدول المنتجة للقهوة. يُنتج العالم ملايين الأطنان من القهوة سنوياً، وتعد البرازيل المنتج الأكبر بنحو 3.165 مليون طن سنوياً.
 
الثقافة الإثيوبية والقهوة
تظل القهوة جزءاً أساسياً من الثقافة الإثيوبية، حيث تُعرف بمصطلح "بونا دابو ناو"، أي "القهوة هي خبزنا". يعتمد أكثر من 12 مليون إثيوبي على زراعة القهوة كمصدر رئيسي للرزق.
 
خاتمة
القهوة ليست مجرد مشروب؛ إنها قصة تمتد عبر قرون من التاريخ، وتحكي عن تلاقح الثقافات والابتكار الإنساني. من حبات صغيرة في إثيوبيا إلى رمز عالمي يربط بين الشعوب، تظل القهوة شاهداً على قدرة الإنسان على تحويل الاكتشافات البسيطة إلى إرث عالمي خالد.
 
 
 
   
   
2025-01-21  
الوسوم: قهوة


لا يوجد تعليقات
الاسم:
البريد الالكتروني:
التعليق:
500حرف