طروادة بين الأسطورة والحفر الأثري
2025-01-06

ترجمة

 

تُعد حرب طروادة واحدة من أشهر الحروب في أساطير اليونان القديمة، والتي تجسد صراعاً ملحمياً بين اليونانيين وأهل مدينة طروادة، وهي قصة مترسخة في الأدب والتاريخ الثقافي للبشرية. ولكن، هل كانت هذه الحرب حقيقة؟ أم أنها مجرد أسطورة؟ وهل يمكن اكتشاف أدلة تاريخية على وقوعها؟

في هذا المقال نستعرض تطور قصة حرب طروادة من الأسطورة إلى الحفريات الأثرية، مع التركيز على الاكتشافات التي قام بها هاينريش شليمان الذي أصبح أحد الأبطال الرئيسيين في هذا المجال.

 

خلفية الأسطورة:

تدور أسطورة حرب طروادة حول النزاع الذي اندلع بعد اختطاف هيلين، ملكة إسبرطة، من قبل الأمير الطروادي باريس. كانت هيلين تُعتبر أجمل امرأة في العالم، مما جعلها محط أنظار العديد من المتقدمين للزواج. بعد زواجها من مينيلوس، ملك إسبرطة، اختطفها باريس، مما دفع زوجها إلى إعلان الحرب على طروادة. اجتمع حلفاء مينيلوس، بقيادة شقيقه أجاممنون، للانتقام واستعادة هيلين.

استمرت الحرب طيلة عشر سنوات، حيث حاصر الجيش اليوناني مدينة طروادة. واحدة من أبرز الأساطير المرتبطة بالحرب هي "الحصان الطروادي"، حيث قام اليونانيون ببناء حصان خشبي ضخم وأخفوا داخلها جنوداً، ثم قدموا الحصان كهدية لطروادة. عندما أُدخل الحصان إلى المدينة، خرج الجنود من داخله وفتحوا أبواب المدينة لبقية الجيش اليوناني، ليتمكنوا من تدمير طروادة في النهاية.

 

دور أخيل في أسطورة حرب طروادة: 

أخيل كان ابن بترونيوس، وهو أحد كبار المحاربين في جيش اليونانيين الذين حاصروا طروادة، وثيتيس، وهي إلهة بحرية. يُعرف أخيل بكونه أعظم محارب في حرب طروادة، حيث كان لا يُقهر تقريباً بفضل ما مُنح له من قدرات خارقة، وأحد هذه القدرات كان محصناً بفضل غمره في مياه نهر ستكس (الذي كان يعتبر نهراً مقدساً، وكانت المياه التي غمرته تمنحه الحصانة في معظم جسده باستثناء كعبه، الذي كان نقطة ضعفه الوحيدة).

أبرز ملامح أخيل في الأسطورة:

  1. القتال والشجاعة: في "الإلياذة"، وهو العمل الأكثر شهرة لهوميروس عن حرب طروادة، يُعتبر أخيل أحد الأبطال الرئيسيين الذين خاضوا معارك ضارية ضد الطرواديين. كان يمتاز بمهارات قتالية خارقة، وقد قاد العديد من الغزوات ضد الطرواديين وحقق انتصارات كبيرة.

  2. الغضب والخلاف مع أجاممنون: إحدى أبرز لحظات الأسطورة تتعلق بصراع أخيل مع أجاممنون، القائد الأعلى للجيش اليوناني. بعد أن أخذ أجاممنون جارية أخيل (بريسييس) لنفسه، غضب أخيل وقرر الانسحاب من المعركة، مما أثر بشكل كبير على تقدم الجيش اليوناني ضد الطرواديين.

  3. عودة أخيل إلى المعركة: بعد مقتل صديقه المقرب باتروكلوس على يد هكتور، قائد طروادة، قرر أخيل العودة إلى المعركة للثأر لصديقه. وكان هذا القرار لحظة محورية في الأسطورة، حيث قاد أخيل هجوماً عنيفاً ضد الطرواديين وقتل هكتور في معركة ملحمية.

  4. موته: وفقاً للأسطورة، قُتل أخيل على يد باريس، أمير طروادة، الذي أصابه بسهم في كعبه، وهي النقطة الوحيدة التي لم تكن محصنة في جسده. وتعتبر وفاة أخيل في الأسطورة حدثاً محورياً لأنه أسهم في انهيار القوة العسكرية لليونانيين في طروادة.

 

هل كانت حرب طروادة حقيقة؟

على الرغم من أن العديد من تفاصيل حرب طروادة تأتي من الأساطير اليونانية، فإن العلماء والباحثين يعتقدون أن هناك جزئيات حقيقية في القصة. إلا أنه لا يوجد دليل قاطع يثبت وقوع الحرب كما هو موصوف في الأساطير. لكن هناك بعض الأدلة الأثرية التي تشير إلى وجود مدينة طروادة نفسها، بما في ذلك آثار مدينة قديمة دُمّرت عدة مرات عبر العصور.

 

اكتشافات هاينريش شليمان:

في عام 1870، بدأ العالم الألماني هاينريش شليمان حفرياته في موقع يُسمى هيسارليك "Hisarlik" في تركيا بالقرب من مدينة تشاناك قلعة (Çanakkale) في منطقة مضيق الدردنيل، والذي يُعتقد أنه موقع مدينة طروادة. كان شليمان، الذي كان مفتوناً بالأساطير اليونانية، قد قرأ أعمال هوميروس، بما في ذلك "الإلياذة" و"الأوديسة"، وقرر أن يبدأ في البحث عن طروادة الواقعية. قام بحفريات في طبقات الموقع بناءً على توجيهاته من الأساطير.

في عام 1873، خلال حفرياته، اكتشف شليمان مجموعة من الآثار القيمة، أطلق عليها اسم "كنز بريام"، والتي كانت تحتوي على تماثيل ذهبية وجواهر وأشياء فنية أخرى. اعتقد شليمان أن هذا الكنز هو ملك بريام، ملك طروادة الأسطوري، وكان اكتشافه بمثابة دليل ملموس على وقوع الحرب كما تم وصفها في الأدب القديم. وقد شكل هذا الاكتشاف حدثاً كبيراً في الأوساط العلمية، وجذب الأنظار إلى أهمية الحفريات الأثرية في فهم تاريخ الأساطير.

 

الجدل حول الاكتشافات:

رغم أن اكتشاف كنز بريام "Priam's Treasure" لاقى ترحيباً واسعاً في البداية، فإن العديد من العلماء أثاروا تساؤلات حول مصداقية اكتشافات شليمان. إذ يعتقد بعضهم أن "كنز بريام" قد يعود إلى فترة تاريخية أقدم من تلك التي يرتبط بها الأسطورة، بينما كان آخرون ينتقدون شليمان بسبب طريقة إجراء حفرياته، والتي لم تكن تتسم بالدقة العلمية. علاوة على ذلك، تم اكتشاف طبقات أثرية أخرى في الموقع أظهرت أن شليمان ربما كان قد استهدف طبقات تعود إلى فترات مختلفة، مما جعل تحديد علاقة هذه الاكتشافات بحرب طروادة أكثر تعقيداً.

 

تحليل الحفريات والتقدم العلمي:

تُظهر الحفريات التي جرت في موقع هيسارليك منذ فترة شليمان أن هناك طبقات متعددة من المدن التي نشأت في الموقع على مدار العصور. ووفقاً للأبحاث الحديثة، تم تحديد طبقات تعود إلى فترات زمنية مختلفة، مما يُظهر تطور مدينة طروادة على مر القرون. من خلال تقنيات التحليل الحديثة، أصبح من الواضح أن "كنز بريام" قد يعود إلى فترة مختلفة عن تلك التي ارتبطت بحرب طروادة وفقاً للأسطورة. لكن رغم ذلك، تظل الحفريات في هيسارليك تثير تساؤلات حول الفاصل بين الأسطورة والحقيقة التاريخية.

 

الخلاصة:

تظل قصة حرب طروادة واحدة من أبرز الأساطير في الأدب العالمي، ويُعد اكتشاف هاينريش شليمان لمدينة طروادة من أهم اللحظات في التاريخ الأثري. بالرغم من الجدل المستمر حول صحة تفسيراته للاكتشافات التي قام بها، فإن ما حققه من نتائج يظل خطوة هامة نحو إثبات وجود المدينة التي وردت في الأسطورة. وبينما يظل العديد من جوانب القصة غير مؤكدة، فإن هذه الحفريات تظل حافزاً للبحث المستمر الذي قد يُظهر المزيد من الحقائق حول علاقة الأسطورة بالواقع.

 

 

   
   
2025-01-06  


لا يوجد تعليقات
الاسم:
البريد الالكتروني:
التعليق:
500حرف