بدأت فنلندا مشروعاً طموحاً وفريداً من نوعه على مستوى العالم لطمر الوقود النووي المستنفد في أول مقبرة جيولوجية دائمة، حيث سيتم تخزينه بأمان لمدة تصل إلى 100 ألف عام. يُعد هذا المشروع لحظة تاريخية في مجال استدامة الطاقة النووية، ويقدم نموذجاً يمكن أن يُحتذى به عالمياً.
تفاصيل المشروع
في غضون العام المقبل أو بحلول أوائل عام 2026، سيتم تعبئة الوقود النووي المستنفد عالي الإشعاع في عبوات محكمة الغلق، ليتم إيداعها في أعماق الصخور تحت الأرض، على بعد أكثر من 400 متر في غابات جنوب غرب فنلندا. هذه العبوات المصنوعة من النحاس المتين ستُعزل تماماً عن البشر، وستظل تحت الأرض لآلاف السنين، في محاولة لضمان أمانها بعيداً عن الأجيال القادمة.
تم تسمية المنشأة باسم "أونكالو"، وهو الاسم الفنلندي الذي يعني الكهف الصغير أو الحفرة، وهو اسم يعكس بدقة طبيعة المستودع الذي يقع ضمن شبكة من الأنفاق بجوار مفاعلات نووية في جزيرة أولكيلوتو، على بعد حوالي 240 كيلومتراً من العاصمة هلسنكي.
شركة بوسيفا ودورها في المشروع
تأسست شركة "بوسيفا" عام 1995، وتم تكليفها بمهمة التعامل مع عملية التخلص النهائي من الوقود النووي المستهلك. وأوضح باسي توهيما، مسؤول التواصل في الشركة، أن مشروع "أونكالو" ليس مجرد حل مؤقت، بل هو حل دائم يهدف إلى حماية البيئة والبشرية على المدى الطويل. وقد لفت المشروع اهتماماً كبيراً من مختلف الجهات الفاعلة في الصناعة النووية، خاصة في ظل أزمة الطاقة التي عصفت بأوروبا وآسيا خلال الفترة من منتصف عام 2021 حتى أواخر عام 2022.
الجدل حول الطاقة النووية
يأتي مشروع "أونكالو" في وقت تشهد فيه الطاقة النووية نهضة جديدة كأحد الحلول المستدامة لأزمة المناخ. توفر الطاقة النووية حالياً نحو 9% من إجمالي الكهرباء على مستوى العالم، ويُعتبر هذا الخيار أحد الأدوات الفعالة في توليد الكهرباء بتكلفة كربونية منخفضة، مما يساعد في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ومع ذلك، يظل الجدل قائماً حول مخاطر النفايات النووية وإمكانية ضمان سلامتها على المدى الطويل. في حين يرى المدافعون عن الطاقة النووية أنها ضرورة لمكافحة التغير المناخي، تشير بعض الجماعات البيئية إلى أن هذا الخيار قد يكون مكلفاً وضاراً مقارنة بالبدائل النظيفة والأقل تكلفة.
خاتمة
يمثل مشروع "أونكالو" خطوة جريئة نحو معالجة واحدة من أكبر التحديات التي تواجه الطاقة النووية: التخلص الآمن من النفايات النووية المستهلكة. وبينما يستمر الجدل حول دور الطاقة النووية في مستقبل الطاقة المستدامة، فإن هذا المشروع يمثل بداية لتفكير جديد وأكثر أماناً في إدارة النفايات النووية على المدى الطويل.