في عالم المكملات الغذائية، قلّما نجد مركباً نال قدراً من الدراسة والتوثيق العلمي بقدر ما ناله الكرياتين. فبينما يعرفه الرياضيون ومحترفو كمال الأجسام كمكمّل فعّال لتحسين الأداء البدني وزيادة القوة، بدأت الأوساط العلمية تطرح تساؤلات جديدة: هل يمكن أن يكون للكرياتين دور يتجاوز العضلات، ويصل إلى دعم الوظائف الدماغية كالتفكير والذاكرة؟ هذه المقالة تسعى لتقديم صورة علمية متكاملة عن الكرياتين، من تعريفه وآليته إلى استخداماته البدنية والعقلية المحتملة.
الكرياتين (Creatine) هو مركب عضوي نيتروجيني يُصنّع داخل الجسم، تحديداً في الكبد والكلى والبنكرياس، ويتكوّن من ثلاثة أحماض أمينية: الأرجينين، والجليسين، والميثيونين. يُخزَّن حوالي 95٪ من الكرياتين داخل العضلات الهيكلية، بينما يُوزّع الباقي بين الدماغ وسائر الأنسجة.
يعمل الكرياتين على إعادة إنتاج الطاقة الخلوية (ATP) أثناء التمارين عالية الشدة. في حالات الجهد، يتم تحويل فوسفات الكرياتين بسرعة إلى طاقة، مما يتيح للعضلات العمل بكفاءة أعلى ولمدة أطول.
يُعدّ الكرياتين أحد أكثر المكملات شيوعاً بين الرياضيين، وذلك لارتباطه الوثيق بالفوائد التالية:
✅ زيادة القوة العضلية والانفجارية.
✅ تحسين الأداء في التمارين اللاهوائية (مثل العدو ورفع الأثقال).
✅ دعم نمو الكتلة العضلية الخالية من الدهون.
✅ تقليل زمن الاستشفاء العضلي بعد التمارين.
تمت مراجعة هذه الفوائد وتوثيقها في مئات الدراسات السريرية، مما يجعل الكرياتين أحد أكثر المكملات الغذائية ثباتاً من حيث النتائج والأمان.
رغم توفّر أشكال متعددة من الكرياتين في الأسواق، يظل الشكل الأساسي والأكثر فعالية هو:
الشكل المدروس علمياً.
يتميّز بفعالية عالية وتكلفة منخفضة.
يُفضَّل استخدامه بصيغته الدقيقة "Micronized" لتسهيل الذوبان والامتصاص.
كرياتين هيدروكلورايد (HCl)
كرياتين إيثيل إستر (CEE)
خلطات الكرياتين (مع مواد منشطة أو سكريات)
معظم الدراسات تشير إلى أن الأنواع الأخرى لا تتفوق على المونوهيدرات في الفعالية، وغالباً ما تكون أغلى ثمناً دون مبرر علمي كافٍ.
يوجد طريقتان شائعتان لاستخدام الكرياتين:
المرحلة الأولى (التحميل): 20 غرام/اليوم لمدة 5–7 أيام (مقسّمة إلى 4 جرعات).
المرحلة الثانية (الصيانة): 3–5 غرام/يوم.
3–5 غرام/يوم من البداية.
يُفضّل تناوله مع وجبة تحتوي على كربوهيدرات لتعزيز الامتصاص عبر رفع الإنسولين.
الكرياتين يُصنّف ضمن أكثر المكملات أماناً عند استخدامه ضمن الجرعات الموصى بها لدى الأفراد الأصحاء. وتشمل أبرز الملاحظات:
⚠️ أعراض خفيفة محتملة: اضطرابات معدية، تشنج عضلي، أو احتباس الماء داخل العضلات.
❌ لا أدلة قاطعة على أنه يضر الكلى أو الكبد في الأشخاص الأصحاء.
❗️يُستحسن تجنّبه أو استخدامه تحت إشراف طبي لدى المرضى الذين يعانون من أمراض كلوية مزمنة.
بدأت الأبحاث في العقدين الأخيرين تُشير إلى دور محتمل للكرياتين في تحسين الوظائف المعرفية، خاصة في ظل فهم أعمق لدوره في دعم إنتاج الطاقة الدماغية.
✅ تحسين الذاكرة قصيرة المدى والقدرة على معالجة المعلومات لدى أشخاص خاضعين لإجهاد ذهني أو حرمان من النوم.
✅ تحسن الأداء المعرفي لدى النباتيين الذين تنخفض لديهم مستويات الكرياتين بسبب غياب المصدر الحيواني.
⚖️ نتائج متضاربة في الدراسات على الأفراد الأصحاء، حيث لم تثبت جميعها تحسناً معرفياً واضحاً.
دراسة نُشرت في Psychopharmacology (2003) أظهرت أن تناول 5 غرام من الكرياتين يومياً لمدّة 6 أسابيع حسّن الذاكرة العاملة والتفكير المنطقي لدى الشباب الأصحاء.
دراسات أخرى أكدت تحسناً في الوظائف الإدراكية لدى كبار السن والنباتيين.
لكن حتى الآن، لم تعتمد الهيئات الطبية الكرياتين كمكمّل لتحسين الوظائف الدماغية، بسبب تفاوت النتائج والحاجة لمزيد من البحث.
الكرياتين مكمّل غذائي مميز يجمع بين البساطة والفعالية. فقد أثبت كفاءته في تحسين الأداء البدني على نحو لا يضاهى، ولا يزال يُستكشف دوره الواعد في دعم الوظائف الإدراكية والوقاية من التعب الذهني. ورغم أن استخدامه لتحسين الذاكرة لا يزال تحت البحث، إلا أن المؤشرات الأولية مشجعة، لا سيما في حالات الإرهاق أو نقص الكرياتين الغذائي.
Powered By Dr.Marwan Mustafa