لطالما كان البحث عن المياه على المريخ مفتاحاً لفهم تاريخه وإمكانية احتضانه للحياة في الماضي. في خطوة علمية جديدة، كشفت بيانات حديثة من المركبة الصينية "زورونغ" عن أدلة على وجود محيط قديم خالٍ من الجليد، يعتقد أنه غطى مساحات شاسعة من سطح الكوكب الأحمر منذ مليارات السنين.
من خلال تحليل الصور والبيانات الرادارية التي جمعتها المركبة بين مايو 2021 ومايو 2022، اكتشف الباحثون طبقات جيولوجية مائلة، تتشابه بشكل كبير مع الرواسب الساحلية على الأرض. هذه الرواسب، التي تميل بزاوية تقارب 15 درجة، تشير إلى أن الأمواج قد لعبت دوراً في تشكيل التضاريس، مما يعزز فرضية وجود محيط قديم كان يمتد عبر مناطق واسعة من نصف الكرة الشمالي للمريخ.
رغم أن وجود محيط على المريخ كان مجرد فرضية منذ سبعينيات القرن الماضي، إلا أن التباين الكبير في ارتفاعات المناطق الساحلية جعل العلماء يشككون في هذه الفرضية. لكن مع التطور المستمر في تقنيات الاستكشاف، أصبح من الواضح أن المياه التي كانت تملأ المحيط قد تلاشت تدريجياً بسبب التغيرات المناخية، وانخفاض الضغط الجوي، وتأثير الرياح الشمسية على الغلاف الجوي الرقيق للمريخ.
بعض هذه المياه ربما تسرب إلى الفضاء مع تقلص الغلاف الجوي، بينما يُعتقد أن جزءاً منها لا يزال محتجزاً في الطبقات الجوفية على شكل جليد أو معادن رطبة. في عام 2024، أظهرت بيانات من مسبار "إنسايت" التابع لوكالة ناسا وجود كميات كبيرة من المياه داخل الصخور على عمق يصل إلى 20 كيلومتراً تحت السطح، ما يعزز احتمال احتفاظ المريخ بخزانات مائية ضخمة.
قبل حوالي أربعة مليارات سنة، كان للمريخ غلاف جوي أكثر كثافة، مما سمح له بالاحتفاظ بالحرارة والسماح بوجود الماء السائل على سطحه. لكن غياب المجال المغناطيسي (على عكس كوكب الأرض) جعل الكوكب عرضة للرياح الشمسية التي قضت تدريجياً على غلافه الجوي، ما أدى إلى انخفاض درجات الحرارة وفقدان القدرة على الحفاظ على الماء السائل.
اليوم، يتكون الغلاف الجوي للمريخ من 96% من ثاني أكسيد الكربون، بينما لا تتجاوز نسبة الأكسجين 0.15%. ومع درجات حرارة تصل إلى -80 درجة مئوية ليلاً، أصبح من الصعب تخيل أن هذا الكوكب كان يوماً ما يعج بالأنهار والمحيطات.
إحدى الاكتشافات المثيرة التي توصل إليها العلماء هي أن معدل دوران المريخ يتسارع، مما يجعل طول اليوم عليه يقصر تدريجياً. بينما لا يزال السبب الدقيق غير واضح، يرجح بعض الباحثين أن التغيرات الجيولوجية في منطقة "ثارسيس"، التي تضم أكبر البراكين في النظام الشمسي، قد تكون السبب وراء هذا التغيير المفاجئ.
مع استمرار البعثات الفضائية في جمع المزيد من البيانات، يتوقع العلماء أن يكتشفوا المزيد عن تاريخ المريخ المائي وكيف تحوّل من عالم غني بالمياه إلى كوكب قاحل. وربما تحمل الدراسات المستقبلية مفاتيح لفهم إمكانية إعادة تأهيل الكوكب ليصبح صالحاً للحياة في المستقبل.
في النهاية، يبقى السؤال الأكبر: هل كان المريخ يحتضن يوماً ما شكلاً من أشكال الحياة قبل أن يفقد مياهه؟ الإجابة قد تكون أقرب مما نتخيل.
Powered By Dr.Marwan Mustafa