عند التفكير في ترتيب الأشهر في التقويم الميلادي، قد يتساءل البعض: لماذا يبدأ العام بشهر كانون الثاني (يناير) وليس بشهر كانون الأول (ديسمبر)؟ ولماذا لا تتطابق أسماء الأشهر مع ترتيبها الرقمي، مثل سبتمبر (الشهر السابع) الذي أصبح في الواقع الشهر التاسع؟ لفهم هذا الأمر علينا العودة إلى التاريخ الروماني القديم.

التقويم الروماني القديم: البداية من مارس

في الأصل، اعتمد الرومان على تقويم يتألف من 10 أشهر فقط، حيث كان العام يبدأ في مارس (Martius) وينتهي في ديسمبر (December). وهذا يفسر سبب تسمية الأشهر الأخيرة بأسماء تدل على ترتيبها القديم:

• يوليو (July) = كان يُسمَّى في الأصل "كُوينتيليس" (Quintilis)، وتعني "الخامس"، لأنه كان الشهر الخامس عندما كان العام يبدأ في مارس. في عام 44 ق.م بعد اغتيال يوليوس قيصر، قرر مجلس الشيوخ الروماني تغيير اسم الشهر إلى "Julius" تكريمًا له، لأنه وُلد في هذا الشهر.

• أغسطس (August) = كان يُسمَّى في الأصل "سِكستيليس" (Sextilis)، وتعني "السادس"، في عام 8 ق.م، قرر مجلس الشيوخ الروماني إعادة تسمية الشهر إلى "Augustus" تكريماً للإمبراطور أغسطس قيصر، أول إمبراطور روماني، نظرًا لإنجازاته وانتصاراته المهمة التي حدثت في هذا الشهر.

• سبتمبر (September) = مشتق من "Septem" وتعني سبعة (الشهر السابع).

• أكتوبر (October) = مشتق من "Octo" وتعني ثمانية (الشهر الثامن).

• نوفمبر (November) = مشتق من "Novem" وتعني تسعة (كان الشهر التاسع).

• ديسمبر (December) = مشتق من "Decem" وتعني عشرة (كان الشهر العاشر).

لم يكن هناك يناير كانون الثاني (January) ولا فبراير شباط (February) في البداية، إذ كانت فترة الشتاء تُعتبر "زمناً بلا شهور" أي فترة غير محسوبة زمنياً.

إضافة يناير وفبراير إلى التقويم 

حوالي عام 713 ق.م.، قام الملك الروماني نوما بومبيليوس بإصلاح التقويم وإضافة يناير وفبراير لجعل السنة أكثر اتساقاً مع الدورة القمرية. وكان يناير يحمل أهمية خاصة، إذ كان مخصصاً لعبادة الإله يانوس (Janus)، إله البوابات والبدايات، مما جعله مناسباً ليكون شهر بداية العام.

إصلاح يوليوس قيصر: تثبيت يناير كبداية للسنة 

في عام 46 ق.م.، قام يوليوس قيصر بإصلاح التقويم مرة أخرى عبر إدخال التقويم اليولياني، الذي جعل السنة تبدأ رسمياً من يناير بدلاً من مارس. كان لهذا القرار عدة أسباب:

• يناير هو الشهر الذي يتولى فيه القناصل الرومان مناصبهم الرسمية.

• ربط بداية العام بإله البدايات يانوس.

• جعل التقويم أكثر دقة، بحيث يتماشى مع السنة الشمسية.

التقويم الغريغوري واستمرار الترتيب

في القرن السادس عشر، قام البابا غريغوريوس الثالث عشر بإدخال تعديلات طفيفة على التقويم اليولياني لإنشاء التقويم الغريغوري، الذي ما زلنا نستخدمه اليوم. لكن التعديلات لم تمس ترتيب الأشهر، وبقي يناير أول شهور العام.

بدأت الأشهر السريانية تتزامن مع الأشهر الرومانية خلال الحقبة الهيلينية والرومانية (حوالي القرن الأول قبل الميلاد)، عندما تم دمج التقويم المحلي مع التقويم اليولياني. ومع ذلك، احتفظت هذه الأشهر بأسمائها القديمة ذات الجذور الآرامية، وظلت مستخدمة حتى اليوم في بلاد الشام والعراق.

لماذا لم يبدأ العام بشهر كانون الأول؟

• كانون الأول (ديسمبر) يأتي من الكلمة اللاتينية Decem، أي "عشرة"، لأنه كان في الأصل الشهر العاشر في التقويم الروماني.
• كان ديسمبر يعتبر نهاية دورة المواسم الزراعية والاحتفالات الشتوية (مثل احتفالات ساتورناليا الرومانية).
• لم يكن هناك سبب سياسي أو ديني قوي لجعله بداية العام، بينما كان يناير (كانون الثاني) يحمل رمزية البدايات والتغييرات السياسية.

الخلاصة

يبدأ العام بشهر كانون الثاني يناير نتيجة لتعديلات تاريخية بدأت من الإصلاحات الرومانية القديمة، مروراً بـ التقويم اليولياني، وصولاً إلى التقويم الغريغوري. ولو لم تحدث هذه التعديلات، لكان العام ربما لا يزال يبدأ في مارس، ولكانت أسماء الأشهر تتطابق مع ترتيبها العددي!

الأسماء كانون الأول وكانون الثاني قد تعطي انطباعاً مختلفاً عن الترتيب الزمني في التقويم الميلادي، بما أن كانون الأول يقترن بنهاية العام وكانون الثاني ببداية العام، فذلك يسبب التباساً لدى الناس الذين يفكرون في الأسماء استناداً إلى الترتيب العددي للأشهر.

بذلك فإن بداية السنة في يناير كانون الثاني ليست مجرد صدفة، بل نتيجة قرارات تاريخية تعود إلى آلاف السنين.