"ستصبح مثلي تماماً ذات يوم" عبارة تتردد في أذهان الكثير من الأبناء الذين يخشون تكرار أخطاء آبائهم. قد يحاولون جاهدين التميز والاختلاف، ومع ذلك يجدون أنفسهم فجأة يتحدثون ويتصرفون كما لو كانوا نسخاً من والديهم.
دراسة استقصائية حديثة أجرتها شركة "بروغريسف" كشفت أن نحو 27% من الأمريكيين يشعرون بالقلق من تكرار سلوكيات آبائهم كلما تقدموا في العمر، حيث يبدأ الشخص العادي بملاحظة هذا التشابه في سن الثلاثين، رغم أن العادات تُكتسب في وقت أبكر.
وفقاً للدراسة، فإن 38% من المشاركين يحاولون تجنب تكرار العادات الأبوية التي يرونها خاطئة، بينما لا يمانع ربع المشاركين من تبني بعض السمات الإيجابية. ومن بين السلوكيات التي تنتقل بين الأجيال، شخصية "أب المطار"، وهي تمثل تلك العادات المتوارثة في السفر، مثل الحرص على الوصول المبكر إلى المطار وتتبع الأمتعة.
لكن لماذا نكرر نفس ردود الفعل التي كنا نرفضها سابقاً؟ يبدو أن الإجابة تكمن في التأثيرات البيئية والاجتماعية، بالإضافة إلى العوامل البيولوجية والوراثية.
التأثيرات البيئية والاجتماعية
بحسب المعالج النفسي د. أسيل رومانيلي، تعد الأسرة "بروفة" للجيل التالي من الآباء، حيث تنتقل التقاليد والسلوكيات بين أفراد الأسرة. سواء كانت إيجابية أو سلبية، فإن سلوكياتنا غالباً ما تكون موروثة. فقد نحاكي سلوكيات والديْنا كوسيلة غير واعية للتعبير عن الولاء أو لنثبت لأنفسنا أن تلك السلوكيات كانت مرغوبة.
نجد أنفسنا، على سبيل المثال، نردد عبارات كنا نكره سماعها في صغرنا، مثل "سأمنع عنك المصروف لتعرف قيمة المال"، أو نعبّر عن استيائنا من عدم نظافة المكان بعبارات مثل "هل نعيش في حظيرة؟". هذه السلوكيات تبدو وكأنها برمجة تلقائية تستمر معنا في حياتنا اليومية.
العوامل البيولوجية والوراثية
إلى جانب التأثيرات الاجتماعية، هناك عوامل بيولوجية تلعب دوراً كبيراً في تكرار سلوكيات آبائنا. أظهرت الأبحاث أن الوراثة الجينية تتجاوز الصفات الجسدية لتشمل السلوكيات والمخاوف. على سبيل المثال، دراسة نشرت في مجلة "نيتشر" عام 2013، أظهرت أن تجارب الوالدين يمكن أن تنتقل عبر الأجيال، حيث لاحظ الباحثون في جامعة إيموري أن ذكور الفئران التي خضعت لتجربة مخيفة تنتقل هذه الاستجابة إلى أجيالها اللاحقة.
هل يمكن تشكيل سلوكنا الخاص؟
رغم تأثير العوامل الاجتماعية والبيولوجية، تشير المعالجة النفسية ديان بارث إلى إمكانية التخلي عن السلوكيات المتوارثة واتباع مسار مختلف أو "نموذج ارتجالي". يمكن تحقيق ذلك من خلال وعي أكبر بسلوكياتنا وإدخال تغييرات طفيفة تحاكي سلوكيات إيجابية من الآخرين.
تؤكد بارث على أهمية خلق مسارات عصبية جديدة في أدمغتنا، وتحديد من نريد أن نكون وكيف نرغب في التصرف. هذا التغيير يتطلب وعياً وجهداً، لكنه ممكن إذا كانت لدينا الرغبة في كسر الحلقة التكرارية والبحث عن مسارات جديدة.
في النهاية، بينما قد نجد أنفسنا نكرر سلوكيات آبائنا، يمكننا أن نختار ما نحتفظ به وما نغيره، لنصبح نسخة محسنة من ذواتنا، دون أن نفقد الروابط التي تجمعنا بأجيالنا السابقة.