منذ إطلاق تطبيق واتساب عام 2009، كان أحد الأسئلة المحورية لدى المستخدمين هو كيف يمكن لهذا التطبيق المجاني أن يجني الأرباح، خصوصاً مع وجود تكاليف كبيرة لتشغيل الخوادم وتأمين التطبيق لمستخدميه الذين يصل عددهم إلى ما يقارب الثلاثة مليارات شخص حول العالم.
للإجابة على هذا السؤال، لا بد من النظر إلى عدة عوامل تؤثر في نموذج عمل واتساب والشركة الأم التي تملكه.
1. شركة ميتا وراء واتساب
في عام 2014، استحوذت شركة فيسبوك، التي أصبحت فيما بعد "ميتا"، على تطبيق واتساب مقابل 19 مليار دولار. هذا الاستحواذ لم يكن فقط لرغبة في الحصول على عدد مستخدمي واتساب، بل أيضاً للاستفادة من إمكاناته الكبيرة في جلب الأرباح على المدى الطويل. تعتمد ميتا بشكل كبير على الإعلانات لتحقيق الأرباح، كما أنها تعمل على تطوير وسائل أخرى لتحقيق الدخل من واتساب دون الحاجة إلى فرض رسوم مباشرة على المستخدمين.
2. واتساب للأعمال
يعتبر "واتساب للأعمال" (WhatsApp Business) أحد أهم المصادر الرئيسية للإيرادات. هذه النسخة المخصصة للشركات تتيح للشركات الصغيرة والكبيرة التواصل مع العملاء بشكل مباشر، مما يوفر تجربة أكثر تفاعلية. الشركات تدفع للوصول إلى عملائها عبر واتساب من خلال عدة خدمات:
-
الردود التلقائية: للشركات القدرة على إنشاء ردود تلقائية وتفاعلية مع عملائها.
-
الرسائل الموجهة: الشركات تدفع مقابل إرسال الرسائل المباشرة لعملائها، سواء كانت ترويجية أو لخدمات الدعم الفني.
3. التفاعل مع العملاء عبر الإعلانات
منذ العام الماضي، بات بإمكان الشركات إنشاء قنوات مجانية على واتساب لإرسال الرسائل لمتابعيها. ومع ذلك، يتم جني الأرباح من خلال الوصول إلى العملاء المحتملين عبر الربط بين واتساب وفيسبوك وإنستغرام، حيث يتمكن المعلنون من إضافة روابط مباشرة في إعلاناتهم التي تقود المستخدمين إلى دردشة واتساب. هذا النموذج حقق لمتا عدة مليارات من الدولارات سنوياً، إذ أن الشركات تستفيد من الاستهداف الدقيق الذي توفره بيانات المستخدمين على المنصات المختلفة.
4. المعاملات المالية والدفع عبر واتساب
واتساب تعمل على تطوير خدمات الدفع الإلكتروني داخل التطبيق في بعض البلدان، مثل الهند والبرازيل. هذه الخدمة تتيح للمستخدمين إرسال الأموال واستقبالها دون مغادرة التطبيق، وكذلك الدفع مقابل السلع والخدمات. من المتوقع أن تتوسع هذه الخدمات إلى مزيد من البلدان وتصبح مصدراً هاماً للإيرادات.
5. التشفير والخصوصية
واتساب يعتمد التشفير التام بين الأطراف لحماية خصوصية المستخدمين. على الرغم من هذا التشفير، يمكن لواتساب الاستفادة من بيانات حول تفاعل المستخدمين وسلوكهم دون الاطلاع على محتوى الرسائل نفسه. هذا يتيح لهم استهداف الإعلانات بشكل فعال على منصات ميتا الأخرى. وكما يقول مبدأ معروف في مجال الإنترنت: "إذا كنت لا تدفع مقابل المنتج، فغالباً أنت المنتج نفسه"، بمعنى أن بيانات المستخدمين هي السلعة التي يتم استخدامها لتحقيق الربح.
6. استراتيجيات منافسة: سيغنال وتيليغرام
من المهم مقارنة نموذج واتساب بنماذج تطبيقات أخرى مثل "سيغنال" و"تيليغرام". سيغنال يعتمد على التبرعات، حيث حصل على تبرع كبير من أحد مؤسسي واتساب الأصليين، براين أكتون، بينما يعتمد تيليغرام على التمويل من المستثمرين. هذه النماذج توضح التنوع في كيفية جني الأرباح، ولكن واتساب يبقى الأضخم والأكثر انتشاراً بفضل استراتيجيته القائمة على دعم الشركات والبيانات.
7. نظرة مستقبلية
من المتوقع أن تستمر واتساب في تطوير خدماتها للأعمال وربطها بالمزيد من منصات ميتا مثل فيسبوك وإنستغرام. مع استمرار زيادة استخدام التطبيق في المعاملات التجارية والدفع الإلكتروني، ستصبح هذه المجالات مصدراً أكبر للأرباح في المستقبل، بالإضافة إلى إمكانية إدخال ميزات جديدة قد تكون مدفوعة أو مخصصة للشركات الكبرى.
الخلاصة
واتساب، على الرغم من كونه مجانياً للاستخدام الشخصي، يعتمد على عدة طرق لجني الأرباح من خلال خدماته للأعمال والتفاعل بين الشركات والعملاء، بالإضافة إلى الاستفادة من منصات ميتا الأخرى مثل فيسبوك وإنستغرام للإعلانات. البيانات المجمعة من استخدام التطبيق تلعب دوراً كبيراً في تحقيق الأرباح، بينما التوسع في مجالات الدفع الإلكتروني والمعاملات المالية قد يشكل جزءاً كبيراً من استراتيجيته المستقبلية.
وتبقى بالأذهان المقولة القديمة "إذا كنت المستخدم ولا تدفع مقابل الخدمة فالاحتمال الأكبر هو أنك أنت المُنتج".