شهدت بريطانيا في الآونة الأخيرة ارتفاعاً كبيراً في عدد الأشخاص الذين يتناولون أدوية لعلاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، مما أثار القلق بشأن تشخيص هذا الاضطراب وعلاجه. وفقاً لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، تضاعف عدد المرضى الذين وصفت لهم هذه الأدوية ثلاث مرات منذ عام 2015. وتواجه الهيئة الآن ضغوطاً شديدة لتشخيص وعلاج المرضى بشكل فعال، حيث تشير التقارير إلى أن تقييم جميع البالغين في قوائم الانتظار قد يستغرق نحو ثماني سنوات.
انتشار اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه
في العام الماضي، كان اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه هو ثاني أكثر الحالات التي بحث عنها البريطانيون على موقع هيئة الخدمات الصحية الوطنية. ونتيجةً لذلك، أنشأت الهيئة فريقاً خاصاً للتعامل مع هذا الارتفاع الكبير في الطلب على التشخيص والعلاج.
لكن السؤال الذي يطرحه الكثيرون هو: هل أصبحت حالات اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أكثر شيوعاً؟ أم أن التشخيصات زادت بشكل مفرط؟
الدكتور أولريش مولر سيدجويك، خبير في اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في الكلية الملكية للأطباء النفسيين، يشير إلى أن الطلب على التشخيص والعلاج ارتفع بشكل غير متوقع خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، وخاصةً في السنوات الثلاث الأخيرة. يقول إن اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، على الرغم من عدم كونه اضطراباً جديداً، إلا أنه لم يتم الاعتراف به رسمياً لدى البالغين في المملكة المتحدة إلا منذ 16 عاماً.
الانتشار مقابل الحدوث
يوضح الدكتور سيدجويك أن هناك فرقاً بين "الانتشار" و"الحدوث". الانتشار يشير إلى النسبة المئوية للأشخاص الذين يعانون من الاضطراب في أي وقت، ويتوقع أن تبقى هذه النسبة ثابتة عند 3 إلى 4% من البالغين. أما الحدوث فهو عدد الحالات الجديدة التي يتم تشخيصها، وهذا ما يشهد زيادة كبيرة. مع زيادة التشخيصات، يزداد الوعي بين الناس، مما يرفع الطلب على التقييمات والعلاج.
الآثار طويلة المدى
تعتقد البروفسورة إميلي سيمونوف، أستاذة طب النفس للأطفال والمراهقين، أن نسبة الأطفال المصابين بالاضطراب تتراوح بين 5 إلى 7 في المائة، وهو معدل ثابت على مستوى العالم. لكنها تشير إلى أن الزيادة في الطلب على التشخيص والعلاج في بريطانيا قد تكون ناتجة عن عدم الاعتراف بالاضطراب بشكل كافٍ لفترات طويلة.
تحديات نظام الرعاية الصحية
تشير ثيا شتاين، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة "نيوفيلد تراست"، إلى أن المجتمع أصبح أكثر وعياً باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، مما أدى إلى زيادة الطلب على التشخيص. لكن التحدي الأكبر يكمن في تجاوز المرحلة الحرجة الحالية، حيث تتراكم طلبات التقييم وتطول فترات الانتظار.
الخبراء متفقون على أن التشخيص المبكر والعلاج السريع يمكن أن يساعدا في تحسين حياة المصابين، لا سيما الأطفال الذين يحتاجون إلى دعم مبكر.
العلاجات المستقبلية
في الوقت الحالي، تعتمد معظم علاجات اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه على الأدوية، لكن الأبحاث تتطلع إلى تطوير علاجات جديدة. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يتم بيع رقعة يرتديها الأطفال أثناء النوم، تحفز الدماغ بنبضات كهربائية.
كما تعمل البروفسورة كاتيا روبيا، أستاذة علم الأعصاب في كينغز كوليدج لندن، على تطوير علاجات تحفز أجزاء معينة من الدماغ التي تكون أصغر وأقل نشاطاً لدى المصابين بالاضطراب. إذا نجحت هذه الأبحاث، فقد نشهد دخول علاجات جديدة إلى السوق في غضون سنوات قليلة، ما قد يفتح باباً جديداً لعلاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه دون الحاجة إلى الأدوية.
الخلاصة
اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه يشهد اهتماماً متزايداً في بريطانيا، سواء من حيث عدد التشخيصات أو الاهتمام بالعلاج. ومع التطورات التكنولوجية والعلمية، قد تكون هناك طرق جديدة للتعامل مع هذا الاضطراب في المستقبل. لكن التحدي الحالي يبقى في تلبية الطلب المتزايد وتقديم التشخيص والعلاج المناسبين في الوقت المناسب.