تعذيب السجناء يُعتبر من أشد الانتهاكات الإنسانية التي تتعارض مع القوانين الدولية والأخلاقيات الإنسانية. ومع ذلك فإن حالات تعذيب المساجين من قبل السجانين تحدث في مختلف أنحاء العالم. وفي بعض الأحيان، يتم هذا التعذيب دون معرفة السجان بتهمة السجين، أو حتى عندما يكون السجين بريئاً. فما هي الأسباب التي تدفع السجانين للقيام بمثل هذه الأفعال؟
أولاً: العوامل النفسية
-
الطاعة العمياء للسلطة
تشير تجربة ميلغرام الشهيرة (1961) إلى أن الأفراد قد يقومون بأفعال قاسية وغير إنسانية إذا شعروا أن هذه الأفعال مدعومة من سلطة عليا. في سياق السجون يُمكن أن يشعر السجان بأنه مجرد منفذ للأوامر، مما يقلل من إحساسه بالمسؤولية الأخلاقية عن أفعاله.
-
تفكيك الشعور بالإنسانية
أظهرت دراسات مثل تجربة سجن ستانفورد (1971) أن الأشخاص في مواقع السلطة يمكن أن يفقدوا شعورهم بإنسانية الآخرين إذا تم تأطيرهم كـ "أعداء" أو "أقل قيمة". عندما يُعامل السجناء على أنهم مجرد أرقام أو تهديدات، يصبح إيذاؤهم أسهل نفسياً.
-
الإحباط والإسقاط النفسي
في بيئة السجن الضاغطة يمكن أن يعاني السجانون من إحباط وضغط نفسي شديدين. يؤدي هذا أحياناً إلى إسقاط مشاعر الغضب والإحباط على السجناء، خاصة إذا كانوا لا يشعرون بقدرتهم على التعبير عن هذه المشاعر في سياقات أخرى.
ثانياً: العوامل الاجتماعية والثقافية
-
الثقافة المؤسسية
بيئة العمل في السجون قد تُشجع ضمنياً على القسوة والتعذيب، خاصة إذا كانت هناك ثقافة "العقاب" التي ترى في السجناء أنهم مستحقون للعنف بغض النظر عن براءتهم أو تهمهم.
-
التدرج في العنف
أوضحت دراسات علم النفس الاجتماعي أن الأفراد قد ينخرطون في أعمال عنف تدريجياً. يبدأ الأمر بأفعال بسيطة ثم يتصاعد ليصل إلى مستويات عالية من القسوة دون إدراك تام لتبعاتها.
-
الإفلات من العقاب
عندما يشعر السجانون بأنهم لن يواجهوا عواقب قانونية أو أخلاقية لأفعالهم، فإنهم يصبحون أكثر استعداداً لممارسة التعذيب. ضعف الرقابة المؤسسية يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في انتشار هذه السلوكيات.
ثالثاً: الأسباب الشخصية
-
اضطرابات الشخصية
أظهرت دراسات عديدة أن بعض الأفراد الذين يمارسون التعذيب يظهرون سمات سادية، حيث يجدون لذة في إيذاء الآخرين وإحساساً بالقوة من خلال السيطرة على الضحية.
-
التكيف النفسي مع العنف
بمرور الوقت، قد يتكيف السجان مع ممارسة العنف بحيث يصبح شيئاً عادياً في حياته اليومية. يحدث هذا نتيجة التعرض المستمر لمواقف عنيفة دون وجود تدخل علاجي أو توجيه أخلاقي.
الآثار المترتبة على السجانين
لا يقتصر تأثير التعذيب على الضحايا فقط، بل يمتد أيضاً إلى السجانين أنفسهم. أظهرت دراسات أن الأفراد الذين يمارسون العنف بشكل متكرر يمكن أن يعانوا من اضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD)، والشعور بالذنب، والاكتئاب. كما أن تعريض الإنسان باستمرار لبيئة سامة وعنيفة قد يؤدي إلى تدهور قيمه الأخلاقية وشعوره بالإنسانية.
أمثلة واقعية وشواهد
-
أبو غريب (2004)
كشفت فضيحة سجن أبو غريب في العراق كيف أدى الجمع بين غياب الرقابة وثقافة العقاب إلى قيام السجانين الأمريكيين بتعذيب السجناء بطرق بشعة. لاحقاً، أوضحت التحقيقات أن بعض السجانين كانوا يمارسون التعذيب دون معرفة تهم السجناء، فقط لأنهم كانوا يُعتبرون "عدواً".
-
التعذيب في سوريا
تعذيب السجناء في السجون السورية يُعد من أخطر انتهاكات حقوق الإنسان التي وثقتها منظمات دولية ومحلية منذ عقود، أظهرت تقارير عدة أن التعذيب في السجون السورية ليس مجرد ممارسة فردية، بل هو جزء من منظومة ممنهجة تهدف إلى قمع المعارضين وترهيب السكان.
-
التعذيب في الأنظمة القمعية
في العديد من الأنظمة القمعية، يُستخدم التعذيب كأداة لبث الرعب والسيطرة. في مثل هذه السياقات، يُنفذ السجان التعذيب كجزء من منظومة أكبر دون التفكير في أخلاقيته أو أسبابه.
خاتمة
تعذيب السجناء ليس فقط انتهاكاً لحقوق الإنسان، بل يعكس أيضاً تدهوراً نفسياً وأخلاقياً للمجتمع بأكمله. فهم الأسباب الكامنة وراء هذا السلوك يُعد الخطوة الأولى نحو الحد منه. يجب أن تركز الحلول على تعزيز الرقابة المؤسسية، وتوفير التدريب الأخلاقي والنفسي للسجانين، ومعالجة الثقافات المؤسسية التي تشجع على العنف.