الكربوهيدرات التي تُغذّي الأمعاء ولا ترفع سكر الدم
2025-05-14

ترجمة

 

في عالم التغذية اعتدنا على تصنيف الكربوهيدرات على أنها مصدر مباشر للطاقة وسكر الدم، لكن هناك نوعاً خاصاً من النشويات يخرج عن هذا التصنيف التقليدي، وهو ما يُعرف بـ"النشاء المقاوم". هذا النشاء لا يُهضم في الأمعاء الدقيقة كما تفعل بقية النشويات، بل يصل إلى القولون حيث يُخمر بواسطة البكتيريا النافعة، ليمنح الجسم فوائد صحية لا ترتبط فقط بتنظيم سكر الدم، بل تمتد لتشمل صحة القولون والاستقلاب بشكل عام.

 

ما هو النشاء المقاوم؟

النشاء المقاوم (Resistant Starch) هو نوع من النشويات لا يتم تكسيره إلى جلوكوز في الأمعاء الدقيقة، وبالتالي لا يرفع سكر الدم بشكل مباشر. بدلاً من ذلك، يصل إلى القولون حيث تتغذى عليه بكتيريا الأمعاء النافعة، منتجةً أحماضاً دهنية قصيرة السلسلة مثل البيوتيرات (Butyrate)، والتي تلعب دوراً في تقليل الالتهاب وتحسين حساسية الإنسولين.

 

أنواع النشاء المقاوم

يصنّف العلماء النشاء المقاوم إلى أربعة أنواع رئيسة:

  • RS1: يوجد في الحبوب الكاملة والبقوليات، ويصعب هضمه بسبب وجوده داخل جدر خلوية صلبة.

  • RS2: يوجد في الأطعمة النيئة مثل الموز الأخضر والبطاطا النيئة.

  • RS3: يتكوّن عند طهي بعض النشويات (مثل البطاطا والأرز) ثم تبريدها، وهو الأكثر اهتماماً من الناحية الغذائية.

  • RS4: نوع صناعي يُستخدم في بعض المنتجات الغذائية المُعدّلة.

 

البطاطا ونشاءها المقاوم: الحقيقة وراء التبريد

في نقاش علمي شائع بين المختصين والمهتمين بالتغذية، يُثار سؤال: هل البطاطا المجمدة أو المبردة أقل ضرراً على سكر الدم من البطاطا الطازجة؟

الإجابة العلمية تعتمد على السياق:

  • عند طهي البطاطا ثم تبريدها (كما في سلطة البطاطا الباردة)، يتحوّل جزء من النشاء فيها إلى النشاء المقاوم (RS3)، مما يقلل من سرعة امتصاص السكر، ويجعل تأثيرها على سكر الدم أبطأ وألطف.

  • لكن عند إعادة تسخينها لدرجة حرارة عالية (كما يحدث مع البطاطا المجمدة الجاهزة للقلي أو التحميص)، يعود هذا النشاء إلى حالته الأصلية، ويُفقد التأثير المفيد للنشاء المقاوم.

  • إضافة إلى ذلك، فإن البطاطا المجمدة الجاهزة غالباً ما تحتوي على دهون مضافة وتمر بمعالجات صناعية تُقلّل من جودتها الغذائية.

 

الأثر الصحي للنشاء المقاوم

تشير الدراسات إلى أن النشاء المقاوم قد:

  • يقلل من ارتفاع سكر الدم بعد الوجبات.

  • يحسن حساسية الجسم للإنسولين.

  • يدعم صحة القولون ويقلل من خطر الإصابة بسرطان القولون.

  • يغذي البكتيريا النافعة في الأمعاء.

  • يساهم في الشعور بالشبع لفترة أطول، مما يساعد في التحكم بالوزن.

 

الثومية والنشاء المقاوم 

الثومية هي أحد الأطباق الشائعة في المطبخ العربي، يتم تحضيرها عادة باستخدام النشاء كمثخن، مما يمنحها القوام الكريمي المميز. رغم أن النشاء المستخدم في الثومية لا يحتوي بشكل أساسي على نشاء مقاوم، إلا أن عملية الطهي والتبريد قد تساهم في تكوين جزء من النشاء المقاوم. يحدث ذلك عندما يُبرد النشاء المطبوخ لفترة طويلة (حوالي 24 ساعة أو أكثر)، مما يسمح لبعض جزيئات النشاء بالتحول إلى شكل مقاوم للهضم. وهذا يمكن أن يساعد في تقليل تأثير الثومية على سكر الدم بشكل جزئي، مما يجعلها خياراً صحياً نوعاً ما عند تناولها باردة بعد تبريدها. ومع ذلك يبقى تأثير النشاء المقاوم في الثومية أقل مقارنة بالأطعمة الأخرى التي تحتوي على كميات أعلى من النشاء المقاوم مثل البطاطا أو الأرز المبرد.

 

كيف نستفيد من النشاء المقاوم عملياً؟

إذا أردت إدخال النشاء المقاوم إلى نظامك الغذائي بشكل فعّال، اتبع هذه النصائح:

  1. اطهِ النشويات ثم برّدها في الثلاجة لمدة 12–24 ساعة قبل تناولها.

  2. تناولها باردة أو مع تسخين خفيف، وليس بإعادة تسخين شديد.

  3. استخدم وصفات مثل سلطة البطاطا الباردة، أو الأرز المبرد، أو العدس المطهو والمبرد.

  4. أضف أطعمة تحتوي طبيعياً على RS2 مثل الموز الأخضر أو البقوليات.

 

الخلاصة

ليس كل نشاء ضاراً، وليس كل كربوهيدرات ترفع سكر الدم. النشاء المقاوم يمثل نموذجاً لكيف يمكن لبعض الأطعمة أن تكون مفيدة إذا أُعدّت بطريقة ذكية. الطهي ثم التبريد دون إعادة تسخين قوي يفتح المجال أمام نشويات "أكثر لطفاً" على الجسم، وأكثر دعماً لصحة الأمعاء وسكر الدم.

ربما آن الأوان لإعادة التفكير في طرق طهونا للبطاطا والأرز والمعكرونة، ولنعطِ لأمعائنا فرصة لتتغذّى كما ينبغي.

 

   
   
2025-05-15  
الوسوم: سكري - كربوهيدرات


لا يوجد تعليقات
الاسم:
البريد الالكتروني:
التعليق:
500حرف