في السنوات الأخيرة، تصاعدت المخاوف بشأن تأثير البلاستيك الدقيق والنانو بلاستيك على صحة الإنسان، خصوصاً بعد اكتشافه في أجزاء مختلفة من الجسم، بما في ذلك القلب والكبد وحتى حليب الأم. والآن، تؤكد دراسة حديثة أن هذه الجسيمات قد تصل إلى الدماغ أيضاً، مما يثير تساؤلات حول تأثيرها المحتمل على وظائفنا العصبية.
البلاستيك في الدماغ: كيف وصل إلى هناك؟ 
وجد الباحثون أن عينات الدماغ التي تم فحصها احتوت على كميات من البلاستيك تعادل حجم ملعقة صغيرة، معظمها من مادة البولي إيثيلين، المستخدمة في الأكياس البلاستيكية وتغليف الأطعمة. والمثير للدهشة أن هذه الجسيمات استطاعت عبور حاجز الدم في الدماغ، وهو خط الدفاع الطبيعي الذي يمنع دخول المواد الضارة إلى الجهاز العصبي.
لم يتضح بعد السبب الدقيق لتمكن البلاستيك الدقيق من اختراق هذا الحاجز، لكن بعض العلماء يرجحون أن الطبيعة الدهنية للدماغ قد تكون عاملاً مساعداً، حيث يمكن أن تلتصق الجزيئات البلاستيكية بالدهون بطريقة مماثلة للطريقة التي يصعب فيها تنظيف بقايا الدهون عن الأواني البلاستيكية.
البلاستيك والخرف: ارتباط مثير للجدل
وجدت الدراسة أن الأشخاص الذين كانوا يعانون من الخرف لديهم مستويات أعلى من البلاستيك النانوي في أدمغتهم، لكن الباحثين يؤكدون أن هذه النتيجة لا تعني أن البلاستيك هو السبب المباشر للخرف. في الواقع، قد يكون ضعف الحاجز الدموي في أدمغة مرضى الخرف هو السبب في تراكم الجسيمات البلاستيكية لديهم، وليس العكس.
ومع ذلك، فإن تأثير هذه الجسيمات على صحة الدماغ لا يزال غير واضح. فبينما أظهرت بعض الدراسات التي أُجريت على الفئران أن تناول المياه الملوثة بالبلاستيك الدقيق قد يسبب التهاباً في الدماغ ويؤدي إلى تغيرات سلوكية، لا توجد حتى الآن أدلة قاطعة تثبت تأثيراً مماثلاً على البشر.
هل يتراكم البلاستيك في أجسامنا؟
إحدى النتائج المثيرة للاهتمام في الدراسة هي أن مستويات البلاستيك في أدمغة كبار السن لم تكن أعلى منها في أدمغة الأصغر سناً، مما يشير إلى أن أجسامنا قد تكون قادرة على التخلص من هذه الجسيمات عبر البراز. لكن في المقابل، لوحظت زيادة في مستويات البلاستيك الدقيق في أدمغة وكبد الأشخاص الذين توفوا في عام 2024 مقارنة بعام 2016، وهو ما قد يعكس تزايد التلوث البلاستيكي في البيئة خلال السنوات الأخيرة.
كيف نحمي أنفسنا من البلاستيك الدقيق؟
رغم أن البلاستيك الدقيق أصبح منتشراً في الهواء والماء والطعام، إلا أن هناك بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها للحد من التعرض له، مثل:
-
غسل اليدين قبل تناول الطعام لتقليل احتمالية دخول البلاستيك إلى الجسم.
-
تجنب تسخين الطعام في عبوات بلاستيكية، حيث يؤدي ذلك إلى إطلاق مزيد من الجسيمات البلاستيكية في الطعام.
-
استخدام الزجاج أو الفولاذ المقاوم للصدأ بدلاً من الزجاجات البلاستيكية، خاصة عند شرب الماء الساخن أو المشروبات الحارة.
الخلاصة
لا تزال الأبحاث في مراحلها الأولى، ولم يتم التوصل إلى دليل قاطع حول تأثير البلاستيك الدقيق على صحة الدماغ. لكن ما نعرفه حالياً هو أن البلاستيك أصبح جزءاً لا يتجزأ من بيئتنا وأجسادنا، ما يجعل من الضروري اتخاذ تدابير للحد من التعرض له وتقليل التلوث البيئي قدر الإمكان. فهل سيكون التقدم العلمي قادراً على كشف الحقيقة الكاملة عن هذا التهديد غير المرئي؟ الأيام وحدها ستجيب.